المادة    
السؤال: كيف نرد على القائلين بضرورة كشف الوجه والكفين، حيث يأتون بأحاديث ونصوص نحسبها صحيحة، فأفدنا؟ ثم ما رأيك في انتشار ظاهرة استعمال الدائرة التلفزيونية أو ما يسمى بالحجاب الإلكتروني في التعليم والمحاضرات والأمسيات الأدبية والشعرية وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما ما يتعلق بمسألة كشف الوجه، فلابد أن ننظر أولاً إلى من يقول ذلك، فإن كان الذي قاله عالم تقي تحرى وبحث في الأدلة من الكتاب ومن السنة وخرج برأي: أن المرأة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا عند الفتنة؛ لأن جميع المسلمين يقولون: إذا حصلت فتنة وجب على المرأة أن تغطي وجهها، فإن كان كذلك فهذا له جواب، وإن كان ممن يدعو إلى السفور.. لا يلتزم بأوامر الله في ذات نفسه، وقد لا يصلي ولا يطبق السنة، ثم يأتي ليكتب في الجرائد: كشف الوجه ليس بحرام.. فهذا الذي نصّب نفسه عالماً مفتياً -وليس فيه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم شيء- كلامه مردود من أصله، وهو جزء من المؤامرة الشيطانية على المرأة المسلمة.
أما الأول فجوابه هين، ونرد عليه بأن النصوص التي يوردها إما غير صحيحة وإما غير صريحة، فإن كانت غير صحيحة بينا له أنه لا يُحتج إلا بالصحيح، وإن كانت صحيحة لكنها غير صريحة فيجب أن يعلم أن كل نص قد يدل على عدم تغطية الوجه فهو قبل نزول الحجاب، وسورة الأحزاب ما نزلت إلا بعد غزوة الأحزاب -الخندق- وقبل ذلك كان المجتمع المسلم يتدرج في تطبيق أحكام هذا الدين بحسب نزولها شيئاً فشيئاً؛ ففي أول الإسلام كانت المرأة لا تغطي وجهها، فأي حديث ورد في عدم وجوب تغطية الوجه وكان صريحاً صحيحاً فهو متعلق بتلك المرحلة، ولا يمكن أن ننسى أبداً أن التواتر العملي في هذه المسألة موجود، فمنذ أربعة عشر قرناً والأمة الإسلامية تطبق الحجاب عملياً، ولم تكن أحكام الحجاب مجرد نص، بل كانت عملاً توارثته الأجيال، وتلقاه التابعون عن الصحابة، ثم أخذه أتباع التابعين... إلى هذا اليوم.
فكيف يقال: كل هؤلاء كانوا متمسكين بشيء خطأ مهما قيل من النصوص؟!
إن أول امرأة خرجت في مصر - ونزعت حجابها كانت امرأة محجبة تغطي وجهها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التمسك بالحجاب من المسلمات في المجتمع المسلم.
ومما يدل على ذلك أن أمان الله خان ملك أفغانستان لمّا جعل زوجته تتبرج لم يلبث إلا يسيراً حتى سقط، وجاء كمال أتاتورك اليهودي وألغى الحجاب وفرض العلمانية في تركيا حتى يعزل المجتمع التركي عن العالم الإسلامي، ورغم ذلك فقد رجعت المرأة التركية للحجاب والحمد لله.
إن أهل الغزل إذا ذكروا المرأة فإنهم إنما يبدءون بالوجه، وإذا جاء الخاطب لينظر إلى المرأة فإنما ينظر إلى الوجه والكفين، فإذا كان الخاطب يرى وجهها وكفيها في كل مكان، فما الحاجة إلى الحض على هذا النظر عند الخطبة؟! وإذا كان الله تعالى قد أباح للمحَرم أن يرى الوجه والكفين، فما الذي يمنحه عن سائر الرجال الأجانب؟! ولماذا قال الله تعالى: ((لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ))[الأحزاب:55]؟! لماذا يخصص الآباء والأبناء وأبناء الإخوة ما دام كل الناس يرون الوجه والكفين؟!
كيف نتجاهل هذه الأمور جميعها؟!
ولا أريد أن أطيل في هذه المسألة؛ لأن كثيراً من العلماء والدعاة -والحمد لله- كتبوا وتكلموا في هذا الأمر، وخصصت كتب ومحاضرات لدحض شبهات هؤلاء، لكن أكتفي بالإشارة، وأؤكد على أن بداية المؤامرة تبدأ بالدعوة إلى كشف الوجه، ولا تنتهي إلا بأفلام ومسارح التعري والرقص المشين الخليع، وهكذا.
أما فيما يخص الدائرة التلفزيونية، فإن المسألة يقع فيها شيء من الخلط. إنه يجب أن يكون هنالك جامعة أو أكثر للبنات، بحيث ينفصلن تماماً عن الرجال، وهذا هو الحق الذي يجب أن يكون.
أما بالنسبة لكلية التربية للبنات فإن لها نظامها المستقل تماماً، فإذا وجدت دائرة تلفزيونية بحيث يبنى لها مبنى مستقل ويأتي الشيخ فيلقي المحاضرة في ذلك المبنى، ومن ثم تنقل عبر الدائرة إلى الصالات، فهذا لا بأس به إن شاء الله، على أن تكون بصفة مؤقتة ريثما تتخرج الخريجات اللاتي يقمن بالدور المطلوب في تدريس من يأتي بعدهن.
وبالرغم من كل ما سبق فيجب ألا نغفل أن القضية مرجعها إلى الأصل، والأصل أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة، وأن تعليمها يجب أن يختلف عن تعليم الرجل أيضاً.
إلا أن هذا الأمر لا يجوز أن يكون ذريعة لإقامة أمسيات أدبية يشترك فيها الرجال والنساء، ولا يفصل بين الفريقين إلا قطعة قماش تنصب بينهما، ثم تقوم المرأة وتلقي قصيدتها، يرد عليها الرجل بحجة النقد الأدبي المجرد، وإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: هذا شبيه بما في الجامعات، فنقول: ليس هناك وجه للمقارنة، فما يحصل في الجامعة -بالرغم من عدم إقراري عما فيه- له ضوابط وقواعد، بعكس هذه المحافل التي لا تدعو إليها ضرورة تعليمية أو غير ذلك.
فعلينا أن نحارب مثل هذه الحوارات الأدبية الدخيلة على مجتمعنا، وندعو ولاة الأمر إلى منعها وعدم السماح بإقامتها.