إن الغرب -أوروبا وأمريكا - يجد نفسه يتحول يوماً بعد يوم إلى أقلية بالنسبة لدول العالم، وإن الشيء الوحيد الذي يملكه الغرب الآن ويتفوق فيه على جميع شعوب العالم -وبه يمتلك الدنيا أو معظمها- هو التقدم والتفوق التكنولوجي المادي، إلا أن هذا التفوق في التكنولوجيا بدأ ينافس الغربيين فيه كل من اليابان وكوريا وبعض الدول، وفي الإمكان أن تتفوق عليهم، لكن الشيء الأساس في التفوق هو التفوق الإنساني.
ولقد أدرك الغرب أن التفوق الإنساني أهم من التفوق المادي، كما أدرك الغرب أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن فإن الإحصائيات التي نشرت مؤخراً تشير إلى أنه بحلول عام ألفين يصبح عدد سكان مصر أكثر من مائة مليوناً، وعدد سكان إندونيسيا أكثر من مائتين وعشرين مليون، وبمعنى آخر: يصبح عدد سكان مصر وإندونيسيا موازٍ لعدد سكان أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا شيء مفزع جداً بالنسبة لهم، وهذا عدد سكان دولتين مسلمتين فقط؛ فما بالك بالدول الأخرى؟!
إذاً سيتحول الغرب إلى أقلية بالتدرج، فوجدوا بدراسات إحصائية مستفيضة أن عدد الوفيات في بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأكثر دول أوروبا أكثر من عدد المواليد، وبدراسة هذه الظاهرة وجدوا أن السبب في ذلك هو تأخر سن الزواج، والذي ينشأ عن خروج المرأة للعمل.
إن خروج المرأة للعمل يترتب عليه أنها لا تتزوج، وبالتالي فإنها ستنفق راتبها في الزينة، وفي التهتك، وفي أماكن اللهو الرخيص، كما أنها لن تتحمل أعباء الحمل والوحم والولادة ومشاكل البيت، ولو تزوجت فنسبة الطلاق في ارتفاع مذهل في الدول الأوروبية وأصبح العزوف عن الزواج ظاهرة متفشية... ولماذا يتحملون تكاليف الزواج مع وجود ما يسمونه (الحرية الجنسية)؟!
ونتيجة لذلك لم يعد هناك لدى الأمة مواليد بقدر الوفيات، ومع الزمن تشيخ الأمة وتهرم، وتموت بعد ذلك وتفنى.
إذاً: نهاية الغرب في أحد جوانبها مرتبطة بعدد السكان، ولهذا حرصوا على هدم المجتمع المسلم، وانظروا إلى مصر بالذات لأنها تشكل ثقلاً بشرياً كبيراً بالنسبة للعالم الإسلامي، ولمجاورتها لإسرائيل، فهم يحرصون أشد الحرص على إقناع المسلمين في مصر بأن يقللوا من عدد المواليد، ويقللوا من عدد أفراد الأسرة، بينما يشجعون الأقباط على الإنجاب ليصبحوا أكثرية، وفي الهند كذلك، وفي سيرلانكا سمعنا عن قوانين لتعقيم المسلمين إجبارياً حتى لا ينجبوا، وحتى لا يكثروا!
كما أجريت في الاتحاد السوفييتي دراسة إحصائية، وجدوا على إثرها أن ثلث السكان من المسلمين، وأن نسبة توالدهم في ازدياد، حيث يمكن أن يصبحوا بعد مائة سنة ثلثي سكان الاتحاد السوفييتي، مما سينتج عنه في حال سقوط الحكم الشيوعي نشوء دولة إسلامية وفق هذا التوزيع السكاني.
هذه قضية مهمة يغفل عنها دعاة تحرير المرأة عندنا في بلاد الإسلام -مع الأسف- ولا يبالون بها لأنهم منساقون وراء أعداء الله..
في ألمانيا خصصت الحكومة خمسين ماركاً للمولود الأول، كمنحة وإعانة شهرية، وللثاني سبعين، وللثالث مائة وعشرين، من أجل أن يكثر عدد الأطفال، إلا أنهم لاحظوا أن الذي استفاد من هذا القانون هم المسلمون الأتراك -إذ يبلغ تعدادهم مليوني نسمة تقريباً يعملون في ألمانيا- فأدى ذلك إلى أن زادت معدلات المواليد لدى الأتراك، بينما بقيت على حالها عند الألمان من أصل أوروبي، ومثل هذا مشكلة جديدة للحكومة الألمانية.
وفي فرنسا كان الحال كذلك؛ إذ أن فرنسا تستقبل المهاجرين من شمال أفريقيا وهم من المسلمين أيضاً، والمسلم أينما حل يحرص على الزواج، وإن ارتكب الحرام، لكن يبقى عنده همّ الزواج والحرص على تكوين أسرة.
وعليه فقد استفاد المسلمون القادمون من المغرب شمال أفريقيا من تلك الإعانات، ولم يستفد منها الفرنسيون الأصليون إلا في الحدود الدنيا؛ وهكذا أصبحت هذه الظاهرة قضية مهمة تتحدث عنها الصحافة الغربية يومياً تقريباً، وقالوا: لابد أن نصدر هذا الوباء -وهو العزوف عن الزواج- إلى العالم الإسلامي أيضاً، وبالذات الدول التي أنعم الله تبارك وتعالى عليها بالثروة كدول الخليج، وهي تعتمد على العمالة الأجنبية، وتعتمد على الأيدي العاملة المستقدمة، فهذه الدول -وهي أقرب المجتمعات إلى الفطرة- لو حرصت على زيادة الكثافة السكانية من أبنائها لاستغنت عن استقدام أولئك العمال -ومنهم الكفار- ولكان لها بذلك قوة.
لقد أدركت الأمم أن الإنسان هو المهم وليس الآلة، وأن الإنسان هو الأساس، والأمة الإسلامية وإن قل عددها، لكنها إذا تمسكت بدينها فهي التي تقيم الحضارات وتكون أعظم من أي أمة كافرة؛ لأن الأمريكي الذي يكتشف، والذي يطلق الصواريخ في الفضاء أو ما أشبه ذلك هو إنسان منحط أخلاقياً، فكم يقضي من عمره في شرب الخمر! وكم يقضي من عمره في الزنا!
ونحن نعلم جميعاً أن المعاصي تضعف البدن، وتنهك الأمة، إلا أنه مع ما في أمريكا من المفاسد والمخدرات التي أقلقت المسئولين، فهي تخترع وتصنع، فكيف لو أن الأمة الإسلامية التي تحتفظ بعقلها وبقواها البدنية لأنها لا تزني، ولا تسرق، ولا تشرب الخمر، ولا تمارس الدعارة والفساد والمخدرات كيف لو أن هذه الأمة أخذت بالتكنولوجيا ولديها المال ثم زاد عدد سكانها؟!
لن تغلب هذه الأمة أبداً..!
وما يشتكى منه في الصحف كل يوم من زيادة نسبة العنوسة ومشكلة تأخر الزواج وما إلى ذلك... فإن جزءاً منه على الأقل هو مما يخطط له أعداء الله، ومما يريدونه.
لقد جعلوا مناهج الفتيات كمناهج الأولاد سواءً بسواء، وأصبحت الفتاة إن أخذت الشهادة الجامعية كالرجل لا تجد من يريد أن يتزوجها؛ لأسباب عديدة تتكلم عنها الصحف كثيراً بشكل يومي ومستمر، وإن أخذت شهادةً ذات مستوى أقل تشعر أنها قد لا تتمكن من الحصول على العمل بتلك الشهادة.
وكل ذلك نتج عن توحيد المناهج للبنين والبنات، وتلك هي المشكلة الخطيرة التي خطط لها أعداء الله حقيقةً، ويجب على الأمة الإسلامية أن تعيد النظر فيها.
فلو كان للمرأة تعليم مستقل تماماً عن تعليم الرجال، ولم يربط مطلقاً بمسألة الوظيفة، لكانت الأمة بخير عظيم، ولتجنبت كل هذه الشرور والمفاسد.