السؤال: كما ترون أن العالم الغربي والشرقي قد اكتشفوا وابتكروا واخترعوا أشياء كثيرة، فكيف يربط المسلم بين كلٍ من تعلم التكنولوجيا الحديثة وتعلم العلم الشرعي وحفظ كتاب الله والدعوة إلى الله، بشرط ألا تؤثر دراسته للتكنولوجيا على استقامته ودينه، حيث إنه لابد أن يحتك بهؤلاء الغربيين والشرقيين غير المسلمين؟
الجواب: طلبة العلم الشرعي ليس مطلوب منهم أن يذهبوا ليتدربوا على التكنولوجيا، لكن من فرَّغته الأمة لهذه التكنولوجيا يجب عليه أن يتقنها، بشرط أنه -إن ذهب إليهم أو خالطهم- يذهب وهو مؤمن ويرجع وهو مؤمن، ليست المشكلة في نقل التكنولوجيا، القضية قضية إرادة، إذا توجهت إرادتك لأن تحقق أمراً فسوف تحققه، وهذه سنة من سنن الله، وقد تحدثنا عنها، فالإرادة الإنسانية والحافز أو الموجه أو الدافع كل ذلك له أثر في تحقيق أي شيء، كل التجارب النفسية الفردية تثبت ذلك، فكيف بإرادة الأمم؟!
مثلاً: يذكرون أنه في سباق المرثون -وهو شعيرة جاهلية يونانية- قد يجري اللاعب عشرين ميلاً مثلاً ويسقط، وعندما يفحص الأطباء هذا الذي سقط يجدون أنه كان بإمكانه أن يواصل عشرة أميال أو خمسة، وقد سقط في الميدان وخسر السباق؛ لأنه سقط نفسياً.
تجارب أخرى: وجدوا أن الإنسان إذا كان ضعيفاً منهكاً مجهداً -تقول له: خذ هذه الحبة ابلعها، يقول: لا أستطيع أن أمد يدي حتى آخذها- وسلطت عليه وحشاً أو ثعباناً في الغرفة، فستجده يقفز عشرة أمتار، وقد ذكروا أن رجلاً قفز عشرة أمتار، وقد كان مقعداً، سبب قوة الحافز.
إمبراطور
اليابان أرسل أول دفعة إلى
أوروبا، فرجعوا بالبنطلونات وبالسجائر، ويتكلمون بالإنجليزي والألماني، فقيل: إنه جمعهم في ميدان وحكم عليهم بالإعدام، وأرسل دفعة ثانية، وقال: اذهبوا فذهبوا باللباس الياباني، ويطبخون على الطريقة اليابانية، ويأكلون بالطريقة اليابانية، ويتكلمون باليابانية، فرجعوا بالتكنولوجيا الأوروبية، والآن
اليابان تنافس
أوروبا؛ حتى إنها اقتحمت
أوروبا الشرقية قبل أن تخطط
ألمانيا الغربية وغيرها من الدول لاقتحامها، والسبب أنهم أوجدوا عند الناس الإرادة.
فيتنام استطاعت أن تهزم
أمريكا؟! بقوة الإرادة -رغم فارق القوة المادية- مع أن الجميع كفار، ولا يوجد حافز ولا إرادة أقوى من الإيمان بالله، ولا أقوى من جهاد أعداء الله، ولا أقوى من طلب الجنة: [
لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها].
هذه الجنة أقوى حافز، فالهارب يضاعف الهرب إذا علم أنه يهرب من النار، والطالب يضاعف الطلب إذا علم أنه يطلب الجنة؛ سلعة الله الغالية، التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، إذا كنا نريدها فعلينا أن نشحذ الإرادة وننتصر، وإن كنا نريد أن تكتب الصحافة الغربية عنا أننا تطورنا وأن عندنا شوارع نظيفة... إلخ، وتأتي بصور لبعض المناطق، فسنظل على هذا الوضع قروناً، ولن نصل إلى شيء، فالمرء حيث يضع نفسه، والأمة حيث تضع نفسها، ضع نفسك في القيادة تجد أنك قائد.
مثلاً: -شيء واقعي جداً نذكره من واقع الحياة- لو اجتمع عشرون لاعباً وذهبوا يلعبون كرة، فقام أحدهم وأمسك الكرة، وقال: أنا الكابتن، وصرخ عليهم: اسكتوا، جعلوه الكابتن فعلاً؛ لأنه أثبت نفسه، لكن لو جعل نفسه لاعباً كأي لاعب وضعوه حارساً أو وضعوه حكماً؛ فأنت حيث تضع نفسك، لهذا يقول الله تعالى: ((
وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:139] وما دمنا لم نقل: نحن قادة العالم، إنما نقول: نريد أن نلتحق بركب الحضارة، فسنظل في الذيل؛ لأننا ما فكرنا إلا بالالتحاق، ولم نفكر في السبق والقيادة.