المادة    
السؤال: الأسرة المسلمة هي محضن الأجيال، ونحن في ظل الظروف الحالية التي تستوجب تهيئة الأجيال لقيادة الأمة إلى النصر والتمكين المرتقب بإذن الله جل وعلا، فما هي توجيهاتكم -رعاكم الله- إلى المربين من الآباء والأمهات والدعاة في الأسلوب الأمثل للتربية والتوجيه لأبنائهم، وما يجب غرسه في نفوسهم وأفكارهم وأفئدتهم؟
الجواب: الحقيقة أنا أشكر هذا الأخ لسبب مهم؛ لأن هذا السؤال عن التربية والأبناء، يدل على أن هذا الأخ وكذلك أنتم جميعاً يدرك أن المعركة طويلة بعيدة المدى تمتد لأجيال، وهذه الحقيقة من أهم ما يفهم، نحن لو تخيلنا أنها معركة مدينة سقطت، ومدينة بقيت، ونريد أن نلحق حتى تبقى بأيدينا أو يأخذها الأمريكان وانتهينا فهذه مشكلة، وهذا خطأ كبير في تفكيرنا، فالمعركة مستمرة إلى أجيال وأجيال وإلى أن تقوم الساعة، ومن أجل ذلك نقول: كيف نربي أبناءنا وبناتنا؟ الحقيقة يا إخوان الوقت يضيق عن التفصيل ولكن أضرب لكم مثالاً واحداً فقط:
كل منا حريص بإذن الله على أن يأمن -كما يقولون- مستقبل أولاده، ويدع لهم شيئاً، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تدع ورثتك عالة يتكففون الناس} هذا الجانب مادي بحت، نحن مخطئون ومفرطون فيه بشكل كبير، وبالذات في هذه البلاد وما أشبهها، هناك استهلاك وإنفاق لأمور ليس لها داع أبداً، وهناك تضييع وإهدار لثروة -لا قدر الله- قد نندم عليها إذا ضغطت علينا قوى الكفر أكثر فأكثر.
لماذا لا تبدأ يا أخي الكريم من الآن بتربية أبنائك على شيء من الخشونة والتقشف، وأنا لا أقول: تقتر على عيالك وأهلك لكن نقول: تعودهم اللباس المعتدل، والأكل المعتدل، وتنظيم الوقت، وتنظيم المال، والتوفير، وما أشبه ذلك، تقول: إذا زاد عندك شيء فضعه لإخوانك في فلسطين، أو إذا وفرت من مصروفك كذا وكذا، أنا أعطيك كذا وكذا، ونجمع هذا وهذا ونشغله لك ونشتري لك شيئاً أفضل، حتى نعود أولادنا؛ لأن أولادنا ولدوا في وضع لا يعلمون فيه من أين يأتي المال، ويتخيل أن كل ما يفتح أبوه الجيب يخرج مالاً، لكن من أين يأتي، هو لا يدري. بعضهم بلغ العشرين وهو لا يهمه من أين جاء المال، إلا بعد أن يتعذب ويشتغل ويبحث ولا يجد أي شركة تقبله حتى بألف ريال، عندها يصحو.
قد يقول البعض: كان ينبغي أن تقول: التربية على حفظ القرآن والتربية على الدعوة والجهاد.
أقول لكم: هذا الجانب نحن مهملون فيه وهو من أمور الدنيا التي يجب أن يكون مما لا يحتاج إلى موعظة وتذكير، لكن تفريطنا فيه يؤدي إلى أن نفرط في الجوانب الأخرى.
إذا عودنا أبناءنا هذا.. عودناهم على حفظ أوقاتهم، وعودناهم أن يتركوا السهر وما يوهن أبدانهم، وعلمناهم حب الجهاد والشهادة وحب إخوانهم المجاهدين في كل مكان، وعلمناهم قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان، وربيناهم عليها نرى الخير بإذن الله.
أنا وأنتم أيضاً عندما نجلس مع أبنائنا نجد فيهم الخير الكثير والحمد لله، بينما في أيامنا هذه لم يكن عندنا إلا الكرة، لو وجد شخص طيب تجده منطوياً على نفسه أو هكذا.. الآن الحمد لله حديثهم عن الجهاد والتضحية وكيف نقتل ونستشهد، وهذه نعمة، علينا أن نستثمر هذه الفطرة الطيبة عندهم ونربيهم تربية محكمة، لا نريد الاندفاع الأهوج الذي يضر ويدمر، نريد تربية هادفة وبنّاءة وتخصصية، كل مجموعة من الشباب من الآن يأخذ شيئاً، ولا يضرنا ذلك أبداً.
لا تتخيل أن الاشتغال بشعبة من شعب الإيمان تضر الشعبة الأخرى، إذا كان للأمة تنسيق وتخطيط لا يضرك، ما هي أدنى شعب الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
إماطة الأذى عن الطريق، تخيل كم يُصرف في جدة مثلاً على إماطة الأذى عن الطريق، ولا نعني فقط البلدية وحمل القمامة، ولكن انظر إلى الحفريات والكتابة على الجدران وغيره كثير.. يمكن تصل إلى كذا مليار، تصور لو أن الشباب اهتم بهذه وهي أدنى شعب الإيمان فكم يُوفر من مليارات؟ وكيف يتعلم النظام، وكيف يتعلم النظافة، وبعد ذلك هذه تورثه نظافة القلب، وتورثه نظافة الشعور والسلوك، ثم بعد ذلك إذا تربى على درجة أو شعبة أعلى كحب المساكين -مثلاً- كأن يرى أباه يأتي إلى الضعيف والمسكين ويعطيه ويترفق به وكذلك أمه..
نحن نعيش حالة من الكبر نعوذ بالله، ونحن مهزومون ومغلوبون ومدمرون، وليس هناك شيء نتكبر من أجله! فالمفروض أن نعطف على الفقير والمسكين في الداخل أو في الخارج.
إذاً هذه شعبة أرقى، وشعبة أعلى، مثلاً: ما يتعلق بالوالدين وحق الجار شعبة أعلى، وأعلى منها الجهاد في سبيل الله، إذا رآك مهتماً بالجهاد والمجاهدين وتدعمهم وتؤيدهم وتنصرهم فقد ربيته، وهكذا هذه الأجيال أمانة في أعناقنا.
وهنا نرجع إلى موضوع التفاءل الذي تحدثنا عنه، مما يجعلنا نتفاءل أننا أمة شابة، وقد قلت لبعض الإخوة: إننا نحتاج إلى محاضرة خاصة عن التفاؤل، ولماذا نحن متفائلين، وعن مبشرات خاصة في مثل هذه الظروف، مما يدعوننا إلى التفاؤل أننا أمة شابة والغرب أمة هرمة، الحضارة الغربية حضارة هرمة، وكثير من دول الحضارة الغربية من يموت فيها أكثر ممن يولد! وأمريكا لولا الهجرة لأصابتها هذه المعضلة وهذا الهرم أيضاً، لكن الأمة الإسلامية أمة شابة ولله الحمد، حتى الدول الفقيرة تجدها مباركة ولله الحمد.
ذات مرة ذهبنا إلى أمريكا -وهي المرة الوحيدة- فوجدت عند بعض إخواننا الفلسطينيين ثمانية أطفال، فقال لي: أي مكان في أمريكا تجد فيه شخصاً عنده أولاد كثيرون فاعرف أنه فلسطيني! لماذا؟ قال: لأنه لا يوجد أمريكي عنده أكثر من ثلاثة أو أربعة. وأنا لم أجد في جميع الطائرات التي ذهبنا فيها عائلة أمريكية لديها أربعة أطفال، وإنما اثنان أو واحد، لكن الذي عنده عشرة أو كذا هم إخواننا الفلسطينيون، وهذه من نعم الله، أراد اليهود أن يقتلوهم ويقولوا: لا يوجد شعب، فأراد أن يجعل هذا الشعب المبارك والحمد لله كذلك..
وكذلك هذه البلاد والجزائر وتركيا وباكستان والعالم الإسلامي أمة شابة، وإذا استطعنا أن نربي هذا الجيل الذي بعدنا ثم يأتي الجيل الذي بعده فسيكون المسلمون أقوى قوة في العالم بإذن الله، عددياً وعسكرياً واقتصادياً وكل شيء.
إذاً.. لا نيئس بل نستبشر ونعمل، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أبشروا وأملوا خيراً}.