المادة    
السؤال: ألا ترى أن البعثية في هذه المعركة لم تهزم بل انتصرت، لما جرته من بلاء وويلات على الإسلام والمسلمين، ولعلكم أعلم منا بمصائبهم على الإسلام والمسلمين؟ وهناك مجموعة كبيرة من الأسئلة تسأل الشيخ: أين صدام حسين ؟
الجواب: أنا لم أفتش عن صدام حسين ! إذا أردت أن تسأل أين حزب البعث وأين صدام حسين فاسأل كتاب الله عن مصير أي ظالم: ((وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ))[هود:83] كل ظالم ومجرم ظلم شعبه واحتقره وأهانه وامتص خيراته ووالى أعداءه فهذا مصيره، دعك من الذين ذهبوا، يجب على الباقين أن يعتبروا، صدام حسين كان يفاوض بنفط العراق، فكان يقول لـروسيا: أعطيكم كل النفط وقفوا أمام مجلس الأمن! يا فرنسا نعطيكم العقود كلها وتوقفوا أمريكا، وفي السر يا أمريكا أعطيكم النفط كله وأوقفوا الحرب، كأنه هو البلد والبلد هو.
لو كان النظام البعثي نظاماً دستورياً حتى على كفر أو ضلال أو إلحاد لكان سقوط الرجل يذهب بالرجل ويبقى النظام، وتبقى المؤسسات وتبقى المدنية، لماذا هذا النهب والسلب والمشكلات التي حصلت؛ لأنه مرتبط كله بالشخص، والشخص مندرج تحت حزب، فعندما سقط الحزب وسقط الزعيم هذا الذي يتمحور حوله كل شيء، انتهى البلد أو كأنه انتهى ويراد أن يعود من جديد.
هذه مشكلة يجب أن يعتبر بها من لا يزالون يملكون زمام الأمور أن يتقوا الله في هذه الأمة، كثير جداً من حكام المسلمين ليس منهم ببعيد، ولهم عقوبات تنتظرهم، والأمة التي تسكت عن الظلم ولا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر سوف ينالها ما نال العراق والعياذ بالله، وهم إخواننا لا نفرح فيهم؛ فنحن جسد واحد، إذا أصيبت عينك اليمنى هل تشمت بها عينك اليسرى؟!
لكن يجب أن نأخذ العبرة ونخرج عن الصمت المطبق لا لأنفسنا ولكن من أجل الله، من أجل الأجيال التي هي أمانة في أعناقنا، نحن في هذا البلد مثلاً كنا قبل فترة لا يزال ينجب، تدري ما معنى أن يكون عندك خمسة أطفال أو ثمانية أو سبعة، ما معنى هذا؟
أن يكون عندك في هذا البلد أربعون مليون نسمة، في عنق من وفي ذمة من، إذا لم نحتفظ بخيراتنا ومقدراتنا، ونصلح مشاكلنا الاجتماعية، ونتعامل بالعدل، إذا غرسنا والعياذ بالله الظلم والقهر، والعنف ودواعي الإجرام في ثلاثين مليون شاب، فلا يوجد شعب في العالم أكثر شباباً من هذا الشعب والحمد لله.
ولكن يجب أن ندرك أن الوضع خطير جداً، وعلينا أن نأخذ العبر والدروس جميعاً، والله سبحانه وتعالى ما قص علينا قصة فرعون إلا لنعتبر بها، وجاء بعده من لم يعتبر فوقع، ثم تأتي العبر فيما بعد، ولكن نسأل الله عز وجل أن يرد هذه الأمة إليه رداً حميداً، والله لا يردها إليه إلا هو، لا تتعظ ولا تعتبر!
كنا نقول: العراق احتلت الكويت فما هو الواجب؟
الواجب أن ندفع ميزانياتنا كلها ونستدين عشرات المليارات لنحرر الكويت، قلنا: يا جماعة ليس هذا هو الحل، قالوا: لا. الآن الكويت والعراق اجتمعوا تحت ولاية أمريكا، الاثنتان الآن أصبحت ولاية واحدة أمريكية، سوريا يهددونها تهديد الذئب الذي يقول للحمل: عكرت علي الماء، يقول: لا، فيقول: بالتأكيد أنت عكرت علي الماء؛ لأنه يريد أن يلتهمه، فيقولون: أين ذهب صدام حسين، فيقولون: في سوريا، يا سوريا! ائت به، فإذا قالت: ليس عندنا، قالوا: نرجع لحكاية الكيماوي المزدوج، ويحتلون دمشق ويقولون: موجود صدام، ويظلون يقولون: موجود وسنبحث عنه حتى في كل مكان في حلب واللاذقية، ولا بد أن نجد صدام حسين، والآن يبحثون: أين الكيماوي والمزدوج؟ وهذه كلها ألاعيب، وأنا قلت لكم يوم سقطت بغداد كيف كان الوضع، لعب ولهو ومباريات، ورجعت الفضائيات التي كانت مشغولة بالحرب للطرب واللهو واللعب، وكأنه لا رب يحاسبنا ولا آخرة تنتظرنا، ولا عدو يتهددنا، فهذا -والله- مأساة!
هذه مأساتنا ولذلك علينا أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى ونتوب إليه، ونعتبر. لما ذكر الله مصير اليهود قال: ((فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ))[الحشر:2]، يخاطب الله تعالى المؤمنين في حال عقوبة اليهود، فكيف بنا نحن بالله في هذا الزمان؟ أي نظام ديكتاتوري تسلطي ظالم لا بد أن يسقط؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى أنه لا بد أن ينتقم ويزيل ويسقط الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، ماذا بقي من الإسلام عندنا؟
وكتب الله في سننه أنه ينصر الدولة العادلة ويبقيها ولو كانت كافرة! لأنه بالعدل قام هذا الوجود، وبالعدل انتظم هذا الكون، أما أنه من أهل الجنة أو أهل النار فهذا في الآخرة، لكن نحن نتكلم عن نظام الدنيا، انتظام الكون والحياة في هذه الدنيا لا يكون إلا بالعدل.
فعلينا أن نتقي الله ونقيم العدل فيما بيننا، العدل في المحاكم، والعدل في الإدارات الحكومية كلها.. العدل مع الزوجات والأبناء.. العدل مع أنفسنا: ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى))[الأنعام:152] العدل مع العمال، فلو اضطرب الأمن -لا قدر الله- وجاء العمال وأخذوا كل ما في بيوتنا ولو حتى أحرقونا لعلنا لا نلومهم من القهر، تجد شخصاً يأتي بعشرة آلاف عامل ويتركهم، وشخص عنده آلاف ومئات ثم يعطيه شيئاً بسيطاً جداً من راتبه ثم يجحده، قهر.. ظلم.. ثم نريد من الله أن ينصرنا ويعزنا ويكرمنا ...!! هذا لا يكون، هذه سنة الله.
الشاهد أن مصير الظالمين واحد، فعلينا أن نتقي الله، الظالم لا بد أن ينتقم الله منه، سواء كان حاكماً أو حزباً أو حتى ولي أمر في بيت أو في مدرسة، أو في إدارة حكومية، الظالم هو الذي يورث الأحقاد، والظالم هو الذي يجعل الأمة تتفرق وتختلف قلوبها، فالظلم لا يمكن أن يجمع، وقلت لكم قبل قليل: على الأمة أن تعي، دعونا نتكلم بشيء من الوضوح في هذا الموضوع: العراقي الذي كان يريد أن ينتقم من صدام حسين بأي شكل، يقول: قتل أبي وقتل أخي وأخذ مالنا.. وفعل.. أنا أعتقد أنه لم يفرح بسقوط صدام حسين إلا ليلة واحدة أو ساعات فقط، ونعوذ بالله أن يأتي يوم يبكي فيه العراقيون على صدام حسين ؛ لأن الفتنة والفوضى ليست بديلاً عن الظلم، هذه حقيقة يجب أن يعرفها الناس من الدعاة وغير الدعاة، على الإسلاميين والدعاة المسلمين أن يسعوا إلى البديل الصالح النافع أياً كان، لكن لا يكن الهدف فقط كما ظهر في بعض البلاد من أنه نظام نقضي عليه، وإذا قضينا عليه ماذا بعدها؟ ليس عندنا شيء ولا نستطيع أن ندير البلد وتصير الفوضى، ويصير الدمار، لا. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: لا بد أن تعي الشعوب أو الحكام أن المسألة حقوق وواجبات، فلا هذا يأخذ حق هذا، ولا هذا يأخذ حق هذا، والله سبحانه وتعالى قال: ((فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ))[النور:54] قالها في حق رسوله صلى الله عليه وسلم، وقالها الرسول صلى الله عليه وسلم في حق الحكام في هذه الأمة، (عليه ما حمل وعليكم ما حملتم)، أنت تقوم بواجبك وهو يقوم بواجبه، ومن واجب حكام المسلمين على الشعوب أن تنصحهم وأن تكون صادقة في النصيحة، المدح الكاذب والزيف الباطل انتهت أيامه، فإذا كان بعد هذه المشاكل سنبقى في المدح والزيف والباطل فوالله العظيم ليس فينا خير.
لابد أن يكون هناك صراحة ووضوح واقتراحات عملية، ومشروعات إصلاحية تقدم، وعليهم أن يسمعوا، ثم إذا وقعت علينا أثرة في الدنيا نصبر، إذا فصلوك اصبر .. ضربوك اصبر، ليس هناك مشكلة، هذه احتسبها عند الله، لكن لا بد أن يقوم، فالمبدأ يصحح والظلم الفردي يحتمل، لكن العكس لا، هذه العبرة التي يجب أن تؤخذ من أي نظام سقط في العالم، فإذا كان الأمر كذلك وهي سنة واضحة جلية، فعلينا أن نبدأ في الأخذ بالأسباب بقدر ما يعيننا الله تبارك وتعالى، لكي نحقق ذلك ونجتهد فيه بإذن الله.