المادة    
السؤال: فضيلة الشيخ! قبل أيام وبعد سقوط بغداد تقريباً بأربع وعشرين ساعة، ذكرت جريدة عكاظ عن الاتصالات السعودية، أن قرابة ثمانية عشر مليون رسالة كانت تتنقل عبر رسائل الجوال، ومحتوى هذه الرسائل تقريباً الأغلب فيها -كما رصدت الاتصالات السعودية- نكت وطرائف عن الحرب، فما تعليقكم على هذا؟
الجواب: الحقيقة عندما تكون الأمة غائبة أو مغيبة عن الأحداث فإنها تكون أمة هازلة منحطة بعيدة عن الاهتمام الجدي الذي يؤهلها لأن تنتصر وتقاوم، ونحن لا نعني كل هذه الأمة، فالأمة الإسلامية فيها خير كثير، لكن أنا لا أنظر إلى رسائل الجوال ولا أستطيع أن أجزم بهذا الرقم، أنا أنظر إلى المباراة تقام وبغداد تسقط، فهذه والله شناعة وفضيحة وخزي، كأننا نلهو ونلعب، ماذا يضرنا لو أخرنا الدوري شهراً؟ فإذا كانت يا أخي على مستوى القيادة، وعلى مستوى الشخصيات الكبيرة، وعلى مستوى كثير من العقلاء مباراة ولهو ولعب وتشجيع والحالة كذلك، فأنت لا تؤاخذ السخفاء والبسطاء إذا وضعوا رسائل جوال أو تندروا بشيء من هذا، ويظنون المسألة نكتة.
القضية ليست قضية نكتة، من قتل أخاك أو احتل بلداً جاراً لك اليوم فإنه آتيك غداً. وأذكر في أيام سابقة كان بعض الناس يفتخر ببعض الدول، وعندنا هنا كمثال: كان بعض الناس يقول إذا كان عنده مقاول أو مهندس أو عامل واختلف معه في شيء، لا يقول له: أنت البعيد ليس فيك خير، لا. بينما يقول له: أنتم أضعتم بلادكم! أنتم فعلتم كذا، فلما جاءت الحرب الأولى ودخلت العراق الكويت وجاءت أمريكا سمعنا وكثير منكم رأى ذلك أو سمعه من بنجاليين ومن هنود وغيرهم يقولون: أين أنت؟ أنت ماذا تفعل؟ ماذا جئت تفعل وتركت الأمريكان يحاربون في بلدك؟ وكلام لا نستطيع أن نقوله.
أقول: فإذا كنا سنتعامل بهذه الطريقة من السخافة والنكت فنحن بعضنا يضحك على بعض والحقيقة أنك عندما تضحك على أخيك فأنت تضحك على نفسك؛ لأنه أخوك، هو شقيقك وأنت شقيقه، لكن نحن نقول: يجب أن نترفع عن هذا كله، فما دمنا نستطيع إرسال ثمانية عشر مليون رسالة، فيا ليت أنا جعلناها دعاء وقنوتاً وحثاً للهمم، وأرجو إن شاء الله أن منكم من يستخدمها لذلك، أن تكون فيها رفعاً للمعنويات، أو أن تكون فيها نصيحة أو موعظة، يا ليت مليون رسالة جاءت وقيل: أوقفوا اللعب، أوقفوا المباريات، أوقفوا اللهو، أوقفوا الخزي والعار هذا! ألا ترون ماذا يحدث هناك؟ ثم من قال أن بغداد سقطت؟
أنا أقول لكم: إلى الآن لم تسقط بغداد، السقوط له معنى يجب أن ندركه ونتحقق من حقيقته، العدو يقول: لم تنته المعركة، وهؤلاء يقولون: انتهت وذهب كل شيء وخسرنا كل شيء، شيء عجيب جداً!
يا أخي! أنت عندما تكون في مباراة للكرة وبقي للشوط الثاني نصف ساعة لا تقول: انتهت المباراة، بل تقول: بقي عشر دقائق .. بقيت دقيقة.. دقيقتان، لكن لماذا نحن هكذا.. استسلام وهزيمة؟!
واسمحوا لي هنا أن أنتقل إلى نقطة أخرى لكن لها علاقة بهذا.
المشكلة هي: المبالغة منا في الأحداث أو في الخطاب تجعلنا فيما بعد نتراجع، فلما وقف إخواننا هناك مدة معينة بالغنا وقلنا: حصل الفتح المبين، والانتصار العظيم، وهزمت أمريكا وغلبت الروم، وانتهى كل شيء، والموضوع لا يزال في أوله، فلما بالغنا في ذلك فمن أول ما قيل: سقطت بغداد طارت تلك الأحلام، وانقلبت المسألة إلى أن يجلب الإنسان نفسه وذاته، وأصبح الكلام والسخرية في الجوال وغيره علينا وعلى إخواننا، والحقيقة هذا خطأ، المبالغة الأولى خطأ، وأيضاً الهزيمة النفسية الثانية خطأ.