السؤال: هل أنت متفائل يا شيخ؟
الجواب: أنا أقول لكم: والله إني متفائل -حقيقة- وانتظروا والأيام إن شاء الله سوف تثبت ذلك، إذا كنت تعلم أو تتوقع أن المحنة تحمل في طياتها منحة، وتؤمن بأن الله عز وجل إنما اصطفى هذه الأمة واختارها ليكرّمها، وأنه لن يسلط عليها عدواً من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها، إنما يؤدبها ويطهرها، ويصطفي منها شهداء، ويردها إليه رداً حميداً، والحمد لله كلنا نؤمن بذلك، إذا كنا نؤمن بأن العاقبة للمتقين، إذا كنا نؤمن بأن الله تبارك وتعالى قال: ((
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:139] ثم أخذنا هذا الحدث في سياق تاريخ الإسلام الطويل العريض، وكيف تأتي المحن والجيوش والفتن ثم تنتهي بالنصر بحول الله تبارك وتعالى ولو بعد عقود -يجب أن نتفاءل.
وعلامات التفاؤل قد أشرت إلى شيء منها فيما قبل، أما إذا أخذنا الأمر على أنه معركة وانتهت، أو قضية وحسمت فهذه مشكلة، وهذا الذي يريد الأعداء -حقيقة- أن يشعرونا به، لكن المعركة لم تنته بعد، ولن تنتهي، ولن يقر لهؤلاء قرار أبداً، لا في هذه الأرض ولا في غيرها، هناك حقائق تاريخية واجتماعية ونفسيه وقبلها حقائق أجملها الله تبارك وتعالى وسماها السنن، من هذه السنن الكونية التي جعلها، أنه لم تستقر لظالم ولا معتد قدم أبداً في أي مكان بقي أهله يدافعون عن حقهم حتى ولو كانوا كفاراً، فكيف بالأمة المصطفاة المجتباة المنصورة؟ وقد قرأنا بعض الآيات والأحاديث عليكم في هذا.
يجب أن نتفاءل ونحمد الله تبارك وتعالى على أي حال، ويجب أن نرضى بقضاء الله وقدره، ونعلم أن له حكمة في كل شيء، لو سألت طبيباً أو عالماً لأخبرك بأنه ما من خلية صغيرة جداً في جسمك لا ترى إلا بالمجهر إلا ولها حكمة، كل شيء له حكمة، ولا يوجد ذرة في هذا الوجود إلا ولها حكمة، فالله تبارك وتعالى يدبرها ويسيرها لحكمة علمناها أم لم نعلمها، لكن لا يوجد في هذا الكون شيء إلا وله حكمة.
فإذا وثقنا بوعد الله، ورضينا بقدر الله، وآمنا بحكمة الله، فكيف لا نتفاءل؟ كيف نقول: كيف حدث هذا؟ لو جاء رجل إلى أيام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ماذا فعل ذلك الرجل الذي ادعى النبوة؟ -رجل من الأعراب- فقالوا: قد حصره قومه في الشعب! سيقول: انتهى أمره إذاً، لكن بعد سنوات ما الذي حدث؟!
لو جاء رجل إلى قريش وقال لهم: أين ذلك الرجل الذي كان يدعي النبوة عندكم؟
قالوا: اجتمعنا وأردنا أن نقتله ولكنه فر، قال: إذاً كفيتم أمره، وانتهى شأنه، هكذا إذا حكمت على حدثٍ في حالة ضعف أو في حالة ابتلاء ونسيت العاقبة.
لو جاء رجل والأحزاب قد أحاطوا بـ
المدينة، وبلغت القلوب الحناجر، وظن المؤمنون بالله الظنونا، قال: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء عشرة آلاف من قريش وغطفان ومعهم في الداخل اليهود والمنافقون، كلهم يحيطون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سيقول: إذاً قضي الأمر! وانتهى، ولن تقوم له قائمة.
وهكذا في كل مرة إذا نظرت إلى حادث معين لحكمت حكماً عجلاً، لكن لو انتظرت لوجدت العاقبة فيما بعد كما أخبر الله تبارك وتعالى للمتقين.
فلا يمكن أن نقر بالهزيمة وهذه إرادة أودعها الله فينا، وهذه الإرادة فوجئ ودهش لها الأمريكيون، لماذا الشعوب العربية والإسلامية لا تعترف بالهزيمة؟ كيف؟
يقول لك: نحن في
ألمانيا دكتنا الطائرات الأمريكية وقتلت آباءنا وأجدادنا وسحقت مدننا وقضت علينا، والآن نحن وهم أحباب، يمكن أن نختلف نحن وهم في
مجلس الأمن، ولكن في الأخير نحن أحباب، لكن أنتم لا، أنتم لا زلتم تذكرون
الأندلس، لا تنسون الهزيمة، وتذكرون
فلسطين، وهي من خمسين سنة -هم يقولون: هكذا- أنتم لا تنسون. وهذا وحده يكفي؛ لكي نعلم أنها أمة لا تعترف بالهزيمة ولا تقر، فإرادتها إرادياً لا تريد إلا أن تنتصر، ولذلك سوف تنتصر.
كانت الخطة الأمريكية الخائبة التي وضعها الصهاينة أنها تطلق أربعين صاروخاً والشعب كله يخرج من
العراق ويتفرق ويثور على النظام البعثي وينتهي كل شيء، وتدخل الدبابات الأمريكية والجنود يرقصون، والعراقيون بالورود يستقبلونهم، هذه كانت الخطة، أي: لا إرادة لنا، لكن في النهاية مدينة صغيرة
الناصرية يقاوم فيه بضع مئات مقاومة عجيبة جداً، قبل أن تقع الخيانة في
بغداد.
أما موضوع الخيانة -كما قلت لكم- فتاريخنا الحديث كله خيانات؛ لأنه لا يوجد لنا قيادة إسلامية، كلها قيادات خائنة ستخونها أيضاً قياداتها، إن لم تكن هي الخائنة بنفسها.
لكن انظر إلى
أم قصر إحدى عشرة مرة يقال: إنها سقطت.. لم تسقط، وكم فيها جنود؟ فيها أربعة وعشرون، اثنا عشر هنا، واثنا عشر هنا، سبحان الله! إذاً أهذه أمة تتفاءل أم لا؟ المعركة بالأمس أين كانت؟ بجوار فندق فلسطين، عند الصحفيين، حتى ينقلوا الخبر، والمظاهرات أين حدثت؟ بجوار فندق فلسطين، حتى يقال: النظام البعثي ذهب وما كنا نستطيع أن نتظاهر بينما الآن نستطيع، أشياء كثيرة، وكما قلنا: عندما يكون المسجد هو المجتمع، ويأوي إليه الناس ومنه ينطلقون.
إذاً هناك دلائل قوية على أنه يجب أن نتفاءل، وأسباب التفاؤل كثيرة، فالشعب العراقي ذو إرادة عجيبة، وكل المسلمين كذلك، وكما رأينا العبقرية والإبداع في المقاومة والانتفاضة الفلسطينية فأرجو أن تروا مثل ذلك أو أشد في إخوانكم المسلمين في
العراق بإذن الله تبارك وتعالى.
حقيقة وهذا الذي يوجد لديهم -وهذه نقطة مهمة- الطبيعة القبلية العشائرية.. النخوة.. الشيمة والنشامة، هذه المعاني وإن كانت أحياناً مخلوطة: جاهلية بإسلام، هذه المعاني هي التي عليها تقوم إن شاء الله تبارك وتعالى العقيدة والجهاد، تهذب وتصاغ من جديد وتصحح، ولكن هذا أصل عظيم.
عندما نجد حقيقة أنه لو كانت الحرب هذه موجهة من
أمريكا و
بريطانيا إلى أي دولة أوروبية مهما كانت قوية والله يفر الحكام والحزب من أول يوم، ولا تكون أي مقاومة بهذا الشكل، فقد رأيتم
صربيا وهي مثال ضعيف و
روسيا معها، ومع ذلك حصل ما حصل.
فالأمة هذه لها إرادة، حتى الفاجر منها والظالم، وحتى من انخرط في منظومة
علمانية أو أي شيء، تظل عنده إرادة وتحدي ومقاومة، يظل عنده ما يشده إلى أن يقاوم ولو كان ذلك من أجل القبيلة أو العشيرة أو العيب أو أي شيء، فنحن أمة لديها من الكنوز مادة ضخمة جداً لتكون أداة ووسيلة للمقاومة، إذاً لماذا نيئس؟ بل نتفاءل، ولكن نعمل؛ لأن التفاءل من غير عمل لا ينفع.
لذلك أقول: يا إخواني الكرام! من الآن نهيئ أنفسنا، لا أقول: من الآن أي شخص منا يذهب ويقاتل، هذا يمكن ولكن ليست القضية كما قد نصورها ونحجمها، فلا يذهب منا إلا قليل ولا يعمل الباقون شيئاً، لا.
أول عمل يجب أن نهتم به أن نذهب إلى إخواننا هناك ومعنا الدواء والغذاء وكذا، ومعنا الكتاب والشريط والنشرة الدعوية التي تعرفهم بالله، وبدين الإسلام الحقيقي، ونزيل عنهم الغشاوات والتراكمات التي أفرزها
حزب البعث في قلوبهم سنوات طويلة، ونقول لهم: نحن إخوانكم جئنا من
بلاد الحرمين، ونحن لا علاقة لنا إطلاقاً بهذا العدوان، نحن رفضنا العدوان الأول والآخر، ونحن لا نقر ببعثية كافرة ظالمة مرتدة، ولا بولاء لـ
أمريكا حصل من كائن من كان، نحن إخوانكم في الإيمان والدين والعقيدة، وما أصابكم فهو مصاب لنا، وما يصيبنا فهو مصاب لكم، وعلينا من الآن أن نسير سوياً ونعمل من أجل ردع هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم، وتأكدوا أن هذا نصر عظيم وفتح مبين.
والله لا تستطيع
أمريكا أن تمنعنا منه؛ لأنها تقول: حكم ديمقراطي، وتقول: تحب الأصدقاء، فنحن أعداء أم أصدقاء؟ -على الأقل ظاهراً-.
إذاً لا بد أن ندخل ونعاون، و
أمريكا تريد من دول
الخليج التمويل، وانظر إلى العبارات، تقول دول الغرب وخاصة
أمريكا و
بريطانيا : الشركات البريطانية والأمريكية هي التي سوف تتولى عقود
العراق، أو التوقيع على العقود لإعادة إعمار
العراق، يعني: استثمار إعادة الإعمار، أما دول
الخليج فسوف تشارك في ذلك بالتمويل، لتدفع لتلك الشركات ما تعمر به
العراق، هذه هي المشاركة التي يريدونها منا، فيجب علينا أن ندخل من باب الدعوة والإيمان، وحتى من باب الاستثمار، من يذهب إلى هناك يمكن أن يستغل هذا الباب لفتح أبواب من الخير كثيرة:
أولاً: أن ننقذ إخواننا من الحاجة والفقر، وأن نستثمر؛ فنحن أولى من غيرنا، ثم نجعل ذلك مجالاً للدعوة، ولا يمكن أن الدبابة الأمريكية والجبان المنعزل داخلها يستطيع أن يمنعني ويمنعكم من الدعوة والاتصال بالإخوة، اللغة واحدة والحمد لله، والدين واحد، والتفاهم مشترك، وعادات متقاربة، وكل شيء..
لا أريد أن أطيل في هذا ولكن أقول: كيف نيئس؟!! كيف نحبط؟!! والله إذا يئسنا وأحبطنا فإننا نخدم عدونا بالدرجة الأولى ولا نضر إلا أنفسنا، لكن لو أردنا أن نكون إيجابيين وفاعلين فعلينا أن نسلك هذه الأسباب، وراية الجهاد سوف تقوم في
العراق بإذن الله، وعلينا أن ننصرهم بقدر ما نستطيع، ولعل ذلك يكون قريباً إن شاء الله.