المادة    
قال المصنف رحمه الله:
"وقوله: (لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً) أي: طلب بوهمه في البحث عن الغيب سراً مكتوماً، إذ القدر سر الله في خلقه، فهو يروم ببحثه الاطلاع على الغيب، وقد قال تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:26-27] إلى آخر السورة، وقوله: (وعاد بما قال فيه) أي: في القدر، (أفاكاً) كذاباً، (أثيماً) أي: مأثوماً" اهـ
الشرح:
يعني الطحاوي بقوله: "لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً" أن من رام علم حقائق القدر، وخاض في المجال الذي نهي عن الخوض فيه، والذي استأثر الله تعالى بعلمه -والحال كذلك في جميع أبواب الغيب- فإنه يلتمس بوهمه سراً كتيماً، أي: لا دليل له إلا الوهم، وهذا سر كتيم -أي مكتوم- لا يمكن أن تصل إليه عقول البشر، فالاطلاع على الغيب أمرٌ محظور على كل مخلوق، ((إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:27]، إلا من أطلعه الله عليه من الرسل أو ممن أعطي الرؤيا الصالحة، وهي جزء من النبوة، يريها الله سبحانه وتعالى بعض عباده الصالحين، فيرون شيئاً مما قد يقع للعالم في المستقبل من عالم الغيب، فهذا هو معنى هذه الفقرة كما شرحها المصنف رحمه الله.
واستدل المصنف رحمه الله بقوله تعالى في سورة الجن: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:26-27] مبيناً تلك الحقيقة العظمى التي سبق تكرارها وإيرادها مراراً، والتي جاءت في قوله تبارك وتعالى: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ))[الأنعام:59] فهو الذي يعلم الغيب وحده، ولا يعلمه أحد سواه، ولكن قد يطلع من شاء على ما شاء، وهذه من أعظم الحقائق في العقيدة الصحيحة: اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ اعتقاد الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، ومن زعم غير ذلك فقد اتخذ طاغوتاً من دون الله؛ فإن من أنواع الطواغيت من ادعى شيئاً من علم الغيب، فهو رأس من رءوس الكفر، بل هو سبب من أسباب الكفر وليس كافراً فحسب؛ إذ يكفر بسببه عدد عظيم من الناس في العادة؛ لأن كل من اعتقد بما يقوله من ادعاء الغيب وصدقه، فقد كفر.. وهذه الحقيقة من أعظم الحقائق التي يجب أن يعلمها كل مسلم.