المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة؛ فهو من أجهل الجاهلين، وأضل الضالين، فإن الله تعالى يقول: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ))[فصلت:44] وقال تعالى: ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا))[الإسراء:82] و(من) في قوله (من القرآن) لبيان الجنس، لا للتبعيض، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))[يونس:57].
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاوم الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه]
اهـ..
الشرح:
هذا الكلام -وهو ما يتعلق بكون القرآن دواءً وشفاءً- هو صريح القرآن، ومنطوق كلام الله عز وجل، وهو أيضاً ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وواقع العالم عند بعثته صلى الله عليه وسلم شاهد بذلك، فإن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن والعالم كله عليل مريض إلا بقايا من أهل الكتاب -كما صحت بذلك الأخبار- انقطع بهم اليأس من هذا الواقع المؤلم، ومن هذه الدنيا التي تعج بالظلام، فكانوا منعزلين عن العالم، يعلمون الحق ويعرفون الله سبحانه وتعالى وتوحيده، ولكنهم لا يستطيعون أن يدعوا إليه ولا يأملون في أن يأتي لهذه الإنسانية والبشرية من ينقذها إلا نبي آخر الزمان، وكانوا يترقبون هذا النبي الذي سينقذ الأمة ويوقظها من سباتها العميق.
وقصة سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه خير دليل على ذلك، فلقد تعبد عند أحد علماء أهل الكتاب أربعين سنة، ثم عند الثاني، ثم عند الثالث... حتى أخبره الأخير منهم ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ودله على مبعثه ومهاجره، فجاء إلى دار هجرته صلى الله عليه وسلم، والتحق بركب الإيمان.
وقد كانت القلوب قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم غلفاً، والآذان صماً، والأعين عمياً، حتى أن أهل الكتاب حرَّفوا وبدلوا كتابهم، وكثرت الفرق الضالة المنحرفة، مثل: الوثنية، والمجوسية، والزرادشتية، والبوذية، والهندوسية، وما أشبهها من الأديان، فشفى الله تبارك وتعالى هذه الأمة، وأحيا هذه القلوب بهذا النور وبهذا القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خير من في الأرض، فأشرقت أنواره في أنحاء الدنيا، وفتح الله تعالى به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً، فخرج هؤلاء الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم من الظلمات إلى النور، ثم جاهدوا، فأخرجوا من شاء الله تعالى أن يخرجوا من بني الإنسانية من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى.
فالقرآن شفاء لما في الصدور، فهو شفاء من الضلال ومن الشرك والجهل بالله سبحانه وتعالى، ومن الجاهليات، وكما أنه دواء من هذه العلل، فهو كذلك دواء وشفاء من أمراض الأبدان.