المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[وعلامة مرض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة له إلى الأغذية الضارة، وعدوله عن دوائه النافع إلى دوائه الضار؛ فهاهنا أربعة أشياء: غذاءٌ نافع، ودواء شافٍ، وغذاءٌ ضار، ودواء مهلك؛ فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك] اهـ.
علامة مرض القلب أنه يعدل عن الأغذية النافعة إلى الأغذية الضارة كالذي نراه في الأجسام.
الجسم إذا عدل عن الأغذية النافعة إلى الأغذية الضارة يصيبه المرض وإذا أكل الإنسان مما أخرج الله من الطيبات النافعة، فإن جسمه بإذن الله يكون سليماً ويقوى ويتغذى، لكن إذا تغذى الإنسان بالمحرمات والخبائث؛ فكان شرابه الخمر، وكان يأكل مما حرم الله؛ يأكل الخنزير، ويأكل الميتة، ويأكل كل ما من شأنه أن يضره وأن يؤذيه، فهذا لابد أن يمرض.
فإن عدل الإنسان عن الطيبات إلى الخبائث في المأكول والمشروب وتغذى بالخبائث، كان هذا دليلاً على أنه لابد أن يمرض بدنه.
والقلب كذلك؛ إذا عدل عن الغذاء النافع الذي به يتغذى وينعم وينشط إلى الغذاء الضار، فقد يضعفه ذلك الغذاء الضار وينهكه، وقد يقتله؛ فكما يفعل بعض الناس في جسمه؛ يأكل سماً فيموت؛ فكذلك الحال في القلب؛ قد يتغذى صاحبه بسم؛ فيموت قلبه؛ فلا يرى المعروف معروفاً ولا المنكر منكراً نسأل الله العفو والعافية.
فهناك أربعة أشياء: غذاء نافع، ودواء شاف، وبالمقابل أيضاً: هناك غذاء ضار، ودواء مهلك أو ضار أو قاتل، فهذه الأربعة الأشياء هي التي يترتب عليها: إما صحة القلب وعافيته وشفاؤه، وإما مرضه.
والفرق بين الغذاء والدواء أن الغذاء يؤخذ في جميع الحالات ليقوى الإنسان، أما الدواء فيؤخذ إذا وقع المرض، ولهذا كان القرآن غذاءً وشفاءً؛ لأنه يغذي القلب، ويقوي إيمانه من جهة، وإذا مرض فهو شفاء له من جهة أخرى.
يقول: "فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي"، وأما القلب المريض فهو إن تغذى فإنه يتغذى بالحرام؛ يسمع الغناء، يفكر في الشهوات وفي المحرمات والمعاصي؛ فهو مريض بشهوة.
وقد يكون مريضاً بشبهة؛ فيلتمس التداوي بدواء مهلك؛ فالغذاء كان ضاراً، ثم تداوى بدواء مهلك فمات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مريض الغناء أوجد لديه الغناء اكتئاباً من كثرة ما يسمع من غناء، ويفكر في الغرام والعشق والهيام والكلام، فلما أصيب بالاكتئاب -نتيجة لمرض قلبه- بحث له عن علاج؛ فذهب إلى الطبيب النفسي فقال له: عندك اكتئاب والحل أن تبتعد عن هذا الجو وتسافر إلى إحدى الدول وتتفسح وتتمشى على الشواطئ والكبريهات والكازينوهات من أجل أن تتعافى..!
كان الغذاء ضاراً، وكان العلاج مهلكاً، وهذا واقع أكثر الناس.
لكن المؤمن غذاؤه من أصله بالقرآن؛ فإذا قرأ القرآن تغذى قلبه، فيؤمن ويقوى، فإذا اعتراه مرض.. جاءه وسواس.. جاءه شك.. جاءه شيطان بشبهة.. فإنه يتداوى بالقرآن أيضاً، فيكون له الشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى.
فاجتمع في حق المؤمن الغذاء النافع مع الشفاء النافع أما ذلك القلب المريض -عافانا الله وإياكم- فهو ضد ذلك، ولهذا فإن القلب المريض قد يئول به الحال إلى الموت والهلاك نسأل الله العفو والعافية.