المذيع: فضيلة الشيخ! الإسلام على رأس الرسالات والأديان السماوية التي حاربت العنف، واتخذت منه موقفاً واضحاً لا غبش فيه، إلا أن هناك من يسعى متعمداً الخلط بين موقف الإسلام والممارسات الإرهابية؛ ليوحي إلى الناس بالطعن والتشكيك أن الإسلام يحث ويملي على تابعيه استخدام العنف وقتل الأبرياء للوصول إلى أهداف معينة، فماذا يقول الشيخ الدكتور
سفر الحوالي في هذا الموضوع؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:
الحقيقة إن هذا الموضوع لا بد له من مدخل أو مقدمة، إن لم نستوعب هذه المقدمة فلن ننتهي إلى شيء في هذه القضية، فهناك مقدمة ضرورية ولعلي لا أطيل فيها بقدر الإمكان، لكن لو لم يكن من نتيجة هذا اللقاء المبارك إلا أن يستوعب ويفهم الإخوة المشاهدون هذه القضية، فهي بذاتها نكون قد خرجنا بشيء.
هذه القضية هي أن المشكلة التي يعاني منها الفكر العالمي عموماً، ويعاني منها الفكر أو التفكير الإسلامي أيضاً، المشكلة التي لو ضبطت لما اختلف أكثر المختلفين هي: ما مفهوم العنف؟ وما مفهوم الإرهاب؟
بمعنى أعم: الفكر العالمي يعاني من مشكلة المصطلح .. مَنْ وضعه؟
ومن يحدده؟
ومن يروج له؟
وكيف يفهم في بيئة دون بيئة، وفي سياق دون آخر؟
هذه المشكلة مهمة جداً، لا يوجد في عالم المنطق البشري ولا لدى
الفلاسفة والمنظرين ما يمكن أن يضبط هذه القضية، وقد شكا منها أئمتنا الكرام، شكا منها حتى الإمام
أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، حيث ذكر أن أكثر ما يختلف فيه الناس هو بسبب التأويل، أي: ما معنى هذه الكلمة؟ وكيف نفهمها؟
هذه القضية هي مشكلة فكرية عادية إذا ضممت إليها وربطتها بواقع عالمي ضخم، واقع يستخدم الكلمة الموجهة، ويصنعها أو يستصنعها ثم يوظفها كما يشاء، ويروجها كما يشاء، ويراوغ بها كما يشاء على أمم مستضعفة لا تملك أن تقاومه.
فهي حرب نفسية عنيفة جداً تشن من قبل القوى الطاغية المستكبرة على الأمم الضعيفة، ولا سيما هذه الأمة التي تمثل الحضارة الند في مقابل تلك الحضارة الأخرى المعادية.
إذاً: ينبغي أن نحدد بالضبط الموقف من العنف أو من الإرهاب، هل هو موقف الفيلسوف النظري المجرد الذي يتكلم الكلام العادي؟ أم هو موقف السياسي الذي يتعامل مع كمٍّ ممكن من الحقائق والواقع؟ أم هو موقف العالم المفتي الذي يتكلم ويخاطب القلوب بالإيمان وبالمواعظ الإيمانية والقرآنية والنبوية، ولكن العالم في وادٍ آخر أحياناً؟
المذيع: لكن هل هذه المواقف إذا اجتمعت تخرج بتعريف للعنف والإرهاب؟
الشيخ: لا يمكن. لا يمكن أن يجتمع الناس، وسيظلون مختلفين؛ لأن هذه المصطلحات كل منهم يعبر بها من خلال عقيدته وإيمانه وخلفيته، وهذا طبيعي! فكيف -كما قلت- إذا كان هدفاً متعمداً، وأصلاً متعمداً لقوى طاغية متجبرة في الأرض، تريد أن توظف ذلك، وهذا لا جديد فيه؟!
عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم مستضعفاً في
مكة كانت قريش توظف المعلومة والمصطلح في
عكاظ و
مجنة، وفي داخل
مكة: مجنون .. كذاب .. ساحر ... إلخ؛ حتى إن أكثر العرب أو كثيراً من العرب خدعوا بهذا، فإذا قيل: المجنون أو الصابئ أو كذا.. فإنه مباشرة ينطلق إلى مَنْ؟ إلى أفضل الخلق وأطهرهم وأزكاهم محمد صلى الله عليه وسلم.
المشكلة ليست في موقف الإسلام، أو في حقيقة العنف عندما أتكلم عنه أنا أو أنت أو أخ مسلم، أو شيخ أو داعية أو عالم، المشكلة أكبر من ذلك، المشكلة: أين التفكير العالمي والمنطق السليم الذي يمكن أن يستوعب حقيقة أن كل واحد يوظف العبارة كما يريد ضد الآخر؟