المادة    
يقول: [وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه].
وهذه هي المشكلة.. أن يظن المريض علامات مرضه من ورم وقيح وصديد صحة وعافية وشحماً، كما قال الشاعر:
أعيذها نظرات منك صادقة            أن تحسب الشحم في من شحمه ورم
فحينما يظن المريض أن ما يجده من ورم هو شحم وعافية وصحة، فهنا تكمن الخطورة؛ لأن أول خطوات العلاج هي الشعور بالمرض والاعتراف به، ومن لا يعترف بالمرض ولا يستشعره، ويرى أنه سليم معافىً، فلن يعالج نفسه، ألم تروا إلى الذين يرون أن التمسك بالدين وعودة المسلمين إليه مرض لابد من علاجه، ويرون أن ما هم فيه من الفجور والفسق ومقارفة المنكرات هو الصحة والعافية؟! كيف يعالج من هذا حاله؟! هل يرجى برؤه أو علاجه؟!
فأولى خطوات الشفاء هي معرفة المرض والاعتراف به، فيعترف المشرك بالشرك، ويعلم أنه على خطر، فيطلب التوحيد، ويعترف العاصي بالمعصية، ويطلب من الله المغفرة، ويبحث عن الدعاة الذين يدلونه على طريق الله لكي يعالجوه؛ لكن من رأى نفسه في غاية العافية، فإنه لا يرجى له أن يشفى لاشتغاله بمتابعة الشهوات.
وقد كان الناس في الجيل الأول يسمع أحدهم صوت جارية أو مغنية أو مغنٍ وهو عابر في الطريق، أو ذاهب إلى المسجد، فيستعيذ بالله من فتنة هذا السماع، ويخشى من هذا السماع أن يدخل إلى قلبه شيئاً من الميل إلى المرض؛ فتقوى هذه المادة، ثم تكون مثل القرحة، فتستولي على القلب، فكيف بمن يدمن على سماع الغناء آناء الليل وأطراف النهار؟!
كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يخشى أحدهم أن يرفع نظره إلى امرأة، فتفتنه، فيخسر الدنيا والآخرة؛ لأنه رآها وتأمل محاسنها، فبالله ماذا تقولون في عصر تعرض فيه هذه المناظر في المجلات، والتلفزيون، والشارع، والنوافذ، والأبواب، أينما توجهت فهي أمامك؟! فأيهما أولى بأن يعالج نفسه وأن يفحص قلبه كل يوم؟!
إذا كان السلف يخافون أن يمرض القلب من شيء قليل، فما بالكم بمن يعيش وسط الأمراض؟! أرأيتم إن انتشر الطاعون والإنسان غير محصن، أيأمن على نفسه منه؟! هذا هو حال القلوب اليوم؛ فالأمر كما قال المصنف رحمه الله: "يشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها" ولا يفكر في ذلك، ولا يريدك أن تكلمه عن مرض القلب أبداً إلا إن كان مرض القلب هو المرض الحسي، مرض الشرايين والأوردة، أما مرض النفاق أو الشبهات، فلا يريدك أن تكلمه عنه أبداً.
  1. علامة موت القلب

  2. الصبر على علاج المعاصي