يقول محمد علوي مالكي في هذا الكتاب -صفحة [134]- عن السري السَقَطي -يقول: '' رأيتُ كأنِّي وقفتُ بين يدي الله عز وجل، فقال: يا سري خلقتُ الخلقَ فكلُّهم ادَّعوْا محبتي، فخلقتُ الدنيا فذهب منِّي تسعةُ أعشارهم وبقيَ معي العشر، قال: فخلقتُ الجنَّة فهرب منِّي تسعةُ أعشار العشر، فسلَّطتُ عليهم ذرةً مِن البلاء؛ فهرب تسعةُ أعشار عشر العشر! فقلتُ للباقين معي: لا الدنيا أردتم، ولا الجنَّة أخذتم، ولا مِن النَّار هربتم، فماذا تريدون؟
قالوا: إنَّك لَتعلم ما نريد فقلتُ لهم: فإنِّي مسلِّطٌ عليكم مِن البلاء بعدد أنفاسكم؛ مالا تقوم له الجبال الرواسي، أتصبرون؟
قالوا: إذا كنتَ أنتَ المبتلي لنا فافعل ما شئتَ. فهؤلاء عبادي حقاً ''.
لاحظوا هذا الكلام!! متى خاطب الله السري؟
هل كلَّم اللهُ أَحَداً بعد موسى عليه السلام؟
هل حصل هذا عن طريق الوحي؟
هل نزل جبريل على أحدٍ بعد محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
هذه هي الأقوال التي أقول: إنَّها أساس الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهو: التلقِّي، إنَّهم لا يتلقَّوْن مِن الكتاب والسنَّة، بل يتلقَّوْن مِن المخاطبة المباشرة علم الحقيقة، العلم اللدني، العلم المباشر عن الله كما يدَّعون أنَّ الله يكلِّمهم، ويخاطبهم مثل ما ذكر هؤلاء الأئمة خشيش، أو الرازي، أو السكسكي، أو الأشعري.
هذا الكلام ينقله محمد علوي مالكي عن السريِّ السقطي، فلنفرض أنَّ السريَّ السقطي أخذ هذا الكلام مِن كتاب بانتجل، كتاب الهند -الذي ذكره البيروني، أو كتاب زندأفستا، أو أي كتاب، أو أي مصدر، كيف ينقله محمد علوي مالكي؟
السؤال هنا للمالكي: كيف تنقل هذا النصَّ وتقرُّه؟
وأين هم هؤلاء الذين يعبدون الله لا خوفاً مِن النَّار، ولا حبًّا في الجنَّة؟
هؤلاء أفضل مِن أنبياء الله الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))[الأنبياء:90] والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- تعوَّذوا مِن البلاء، ومتى امتحن الله تعالى الخلقَ بعددِ أنفاسهم مِن البلاء ما لا تصبر له الجبال الرواسي؟
وهؤلاء هم -فقط- مَن يحبُّون الله؟
وقد بيَّن الله تعالى لنا طريق محبتِه أعظمَ البيان، فقال الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ))[المائدة:54]، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ))[آل عمران:31].
فذكر أنَّهم يجاهدون في سبيل الله، وأنَّهم يتَّبعون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هؤلاء هم الذين يحبُّون الله.