والذي أحب أنْ أقوله: إنَّ كتاب
الرفاعي، وكتاب البحريني، وكتاب هؤلاء المغاربة جاء على خلاف الأصل عند
الصوفية، كيف هذا؟
الأصل عند
الصوفية: أنَّ مصدر التلقِّي، ومصدر المعرفة؛ ليس هو القرآن والسنَّة؛ حتى يأتي هؤلاء فيقولون: قال الله تعالى كذا، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، صحيح أنكم يا
أهل السنة تضعِّفون الحديثَ؛ ولكن نحن نصححه! والمسألة: خلافية، ولا داعي للتكفير! ولماذا يكفِّر بعضُنا بعضاً في مسألة خلافية؟!
ونحن نهتم بحرب
الصهيونيَّة، و
الشيوعية، ولا نختلف فيما بيننا... إلى آخر كلامهم من مثل هذا الافتراء والدجل.
أقول: منهج هؤلاء النَّاس: ليس هو هذا، أنت ترثي الإنسان عندما يحارب في غير ميدانه، أو عندما يتكلف ما لا قِبَل له به.
فالأصحاب هناك مع المريدين يرقصون في الحضرة! ويتلقون العلم اللدنِّي -كما يسمُّونه- العلم الحقيقي مباشرة، وهذا جالس يقول: هذا الحديث صحيح، وهذا ضعيفٌ، وهذا كذا وهذا خلاف الأصل! المفروض أن يذهب يرقص معهم ويتلقَّى من هناك العلم على زعمهم.
فأقول لك: إنَّ كلامك في قضية "أنك تقول: إن بعض الطلبة الكويتيين قالوا: إن
هاشم الرفاعي ليس هو الذي كَتَبَ الكتاب"، نعم، الحقيقة أنَّ معهم حقٌّ في ذلك؛ لأنَّ أسلوب الكتاب يذكِّرني ببعض كتبٍ كتَبَها أناسٌ مِن المبتدعة، وردُّوا بها على
أهل السنة قبل خمس عشرة سنة، أو نحو ذلك، وبعضهم أعرِف أنَّه موجودٌ في
الكويت، فلا شك أنَّ هناك تعاوناً.
ومِن أدلة التعاون: هذا التظافر الموجود؛ هذا مِن
المغرب، وهذا مِن
البحرين، وهذا مِن
الكويت، وقالوا: سيخرج كتاب لرجل مِن
مصر، وواحدٌ مِن
اليمن، كما هو مذكور في هذه الكتب.
أقول: إنَّ هذا ليس أسلوب
الصوفية أن يأتوا إلى الحديث، ويصحِّحوه، أو يضعِّفوه؛ ليأخذوا منه الحقيقة والعلم، لا.
الحلاج -إمامهم المتقدم - الذي قُتل بالزندقة -بعد أن ثبت ذلك عنه- ما كان يعتكف ليتعبَّد، ويدعو الله عز وجل، فتنكشف له بعض الأشياء -مثلاً- ويقول: هذا علمٌ أطلعني الله عليه، لا، بل ذهب إلى
الهند، ورأى سحرة
الهند يقف الواحد منهم على رأسه الأيام الطويلة بدون أكل، ولا شرب، ولا نوم، فتعلَّم هذه الرياضة منهم، فإذا وقف على رأسه هذه الفترة: يدخل في المرحلة التي يسمونها [المالوخوليا] وتأتي له صور وخيالات مِن الجوع، ومِن هذه الانتكاسة، ومِن الشياطين، ويخيَّل له أشياء، ومخاطبات، وكلام، فيقول: الله خاطبني! أو الرب كلَّمني! أو كذا، ثمَّ يترقَّى إلى أنْ يقول: أنا الله!!
ما في الجبَّة إلا الله!! أو سبحاني سبحاني
وكما قال
البسطامي كما هو ثابت مِن أبياته في ديوانه:
كفرتُ بدين الله والكفـرُ واجبٌ لديَّ وعند المسـلمين قبيح
انظر:
ديوان الحلاج صـ [34] .
ومرة أخرى ينتكس ويقول:
على دين الصليب يكـون موتي فلا بطحا أريـد ولا المدينةانظر:
ديوان الحلاج صـ [85]
أي: يذكرأنَّه صليبيٌّ -والعياذ بالله- فنفس ما وقع
للحلاج! عندما يقول هذا الكلام: قام علماء السنَّة فكفروه بناءً على هذه الكفريات الشنيعة، فقام المدافعون عنه -مثل ما قام
الرفاعي يدافع عن
المالكي- وتأولوا بعد أن عمل هذا العمل، وقالوا -أي: المتأولة- انتظروا لماذا تكفروه؟
نحن نأتي لكم بأدلة! ثمَّ قالوا: نعم، روى
أبو نعيم في
الحلية كذا، وكذلك: عندنا
ابن عساكر روى كذا، بعض هذه الأشياء استنتجوها، وبحثوا عنها، ووجدوها بعد أن قُتل
الحلاج بسنواتٍ طويلةٍ، و
الحلاج لم يقرأها، ولم يطَّلع عليها، ولا قال ما قال لأنَّه اطَّلع على الكتاب والسنَّة، ثم استنتج منها هذا الاستنتاج.
بل أنا أضرب مثالاً وهو أنه يوجد عندنا كتاباً اسمه:
الدرة المضيئة يذكر فيه متى بدأتْ كلمة "سيدنا" -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسولُ الله في الأذان
، حيث ذكر أنَّ أحد سلاطين المماليك رأى في المنام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: قل للمؤذِّن إذا أذن أن يقول: -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسول الله، فلما استيقظ السلطان هذا؛ أمر المؤذنَ أنْ يقول ذلك، فسمعها بعضُ الخرافيِّين من
الصوفية، فقالوا: رؤيا حسنة، واستحسنوا ذلك.
نحن الآن -في هذا العصر- عندما نقول: هذه الكلمة لا تضاف في الأذان؛ يقولون: كيف لا تضاف، وعندنا أحاديثُ صحيحةٌ على أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم، وأنَّه كذا، وأنَّه كذا؟
وأنتم تنكرون سيادة الرسول! أنتم تكرهون الرسول! أنتم تعادون الرسول! فيهاجموننا بهذا الكلام؛ بينما نجد أن أصل القضية لم يكن أنَّهم قرءوا
البخاري أو
مسلم، ووجدوا أحاديث السيادة، فوضعوها في الأذان، إنما أصلها رؤيا، فـ
الصوفية تعتمد في مصدر التلقِّي على المنامات، والأحلام، وعلى التخيُّلات، والتكهنات، وعلى ما يسمونه الذوق، أو الوجد، أو الكشف، هذا هو مصدر القوم.
فبعد ذلك يأتي مَن يفلسف هذه الأشياء التي ثبتت عندهم، ووصلتهم إلى هذا الطريق، ويقول: إنَّ لها أصلاً، إنَّها تقوم عليها الأدلة الشرعيَّة، فهي مأخوذة مِن الكتاب والسنَّة، ثم يزعمون -كما زعم
الرفاعي- أنَّهم هم
أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الحق، وأنَّ المخالفين لهم: مِن
الخوارج، أو الغلاة، أو المتنطعين، أو التكفيريين، إلى آخر هذا الهراء!