ومن أكثر من تحدث عن
الصابئين وأطال الحديث فيهم
الشهرستاني في كتابه
الملل والنحل، وقد عقد مناظرة بين
الصابئين وبين الحنفاء، وعلى مذهبه فـ
الصابئون هم الرَّوحانيون أو الرُّوحانيون -يجوز الأمران كما قال
الشهرستاني- وهم عبدة الهياكل، وهم الذين لا يؤمنون بالأنبياء ولا بالماديات، وإنما هم روحانيون يتعلقون بالروحانيات.
فمن أسباب كفرهم -عياذاً بالله- وتكذيبهم للأنبياء: أن الأنبياء بشر ماديون، وهم لا يعترفون إلا بالعوالم الروحانية، فيبنون الهياكل الدنيوية للعوالم الروحانية بزعمهم! ولهذا فإنهم قد يعبدون الملائكة، وقد يطلق عليهم عبَّاد الملائكة.
وقد ذكر ذلك بعض
السلف، كما في
تفسير الإمام الطبري أو
ابن كثير، فمن
السلف من قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ومنهم من قال: هم من أهل الكتاب، ومنهم من قال: هم قوم لا يدينون بدين، فليسوا من
المجوس، ولا من اليهود، ولا من النصارى، وإنما هم على فطرتهم، يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويقرون بالله عز وجل، ويوحدونه، ولا يتبعون أي دين، وهذا القول هو الذي رجحه الحافظ
ابن كثير رحمه الله تعالى، ورجح بعض
السلف أنهم من
المجوس أقرب.
ولا خلاف في الحقيقة بين من قال: إنهم أقرب إلى
المجوس، أو أقرب إلى أهل الكتاب، أو عبدة الملائكة، أو الكواكب، فكل هذا قد وقع بعد انحرافهم، ومن قال: إنهم مؤمنون وليسوا يهوداً ولا نصارى، ولا
مجوساً، فيعني: ما كانوا عليه قبل ذلك، فقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام.
والمعنى الآخر الذي قد يفهم من كلام
ابن كثير رحمه الله وغيره: أن هؤلاء قد يكونون أشبه بأهل الفترة، فما عرفوا الله، ولا عرفوا رسولاً، ولا عرفوا شريعة، لكنهم مؤمنون بفطرتهم وعقولهم بأن لهذا الكون إلهاً واحداً، وأنه وحده مستحق للعبادة، لكن ليس لهم دين يدينون به.
وحالهم في هذا يختلف عن حال
الصابئين الموجودين فعلاً، حتى الذين كانوا موجودين في عهد
الشهرستاني، فإنهم كانوا يعبدون الكواكب ويشتغلون بالتنجيم،
وقد اشتهر عنهم نفيهم للصفات، وعنهم تلقى بعض نفاة الصفات مذهبهم.