المادة    
قال الطحاوي رحمه الله:
[فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن، ليجعلوه كائناً، لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
قال ابن أبي العز رحمه الله:
[تقدم حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: { جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما استقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: {يا غلام! ألا أعلمك كلمات؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً} ]
اهـ.
الشـرح:
إن اللوح والقلم مخلوقان من مخلوقات الله تبارك وتعالى، يؤمن بهما المؤمن؛ لما جاء عنهما؛ تبعاً للقاعدة الكبرى التي نؤمن بها جميعاً، والتي لا يكون المؤمن مؤمناً إلا بها، وهي الإيمان بالغيب، ومن هذا الغيب اللوح والقلم والعرش والكرسي، فهذا وغيره مما أخبرنا الله عنه ورسوله، فنؤمن به وإن كان محيراً لعقولنا القاصرة وخيالنا المحدود.
وهذا مما اجتمعت عليه الأمة والحمد لله، ولم يشتهر الخلاف فيه -في الجملة- إلا عن فئة ممن تنكبت جادة الحق وتنكرت لعالم الغيب بالكلية، وهذه الفرقة هي الفلاسفة الذين ينكرون اللوح والقلم أو يؤولونها، وقد حذا حذوهم بعض الصوفية وبعض المتكلمين الذين اتبعوا الفلاسفة، والرأي في الأصل هو لأولئك الفلاسفة الذين من أبرزهم وأشهرهم ابن سينا، وهؤلاء القوم أصل مقولاتهم يرجع إلى الفكر اليوناني، فهم لم يأخذوا الحق من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ظنوا أن الوصول إلى الغاية والعلم الحقيقي يكون عن طريق علوم الأوائل -علوم اليونان- فأخذوا فلسفة اليونان وكلامهم مما نقل أو أثر عن أرسطو أو أفلاطون وأمثالهما، وجعلوه هو العقيدة التي يعتقدونها، ولما رأوا أن المسلمين ينكرون عليهم إذا خالفوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ عمدوا إلى التأويل ولجئوا إليه، ولم يستطيعوا أن ينكروا صراحة وجهاراً بأنه ليس هنالك لوح ولا قلم ولا عرش ولا كرسي، وإنما عمدوا إلى تأويل هذه الكلمات لتوافق ما عليه علماء اليونان.
وأقرب مثال لهذا في عصرنا الحاضر: ما نراه اليوم من بعض الناس؛ يسمعون أن الغربيين اكتشفوا جانباً من جوانب العلم، فيسارعون بقولهم: (المقصود به كذا وكذا) مما جاء في القرآن وفي السنة، ثم يؤولون القرآن بتعسف حتى يوافق ما اكتشفه أولئك؛ فاليقين الحقيقي والاعتقاد عندهم هو في كلام فلاسفة اليونان أو علماء الغرب، وأما ما جاء في الكتاب والسنة فإنه يؤول ويتعسف ليوافق ما قاله أولئك.
  1. إبطال نظرية العقول العشرة لأفلاطون

  2. الفرق بين التأويل الباطني الكفري وغيره من التأويل