المادة    
السؤال: الذي يستشعر أنه آمن في الدنيا، هل هذا هو الأمن المقصود في قوله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))[الأنعام:82] وهل يكون مخطئاًَ أو مصيباً بهذا الشعور؟
الجواب: الأخ يتعرض لموضوع الأمن في هذه الدنيا، فهو يقول: ((أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))[الأنعام:82] هل هذا الأمن يكون في الدنيا، والذي يستشعر هذا الأمن في الدنيا هل يكون مخطئاً أم مصيباً؟
فنقول: هناك تفصيل لا بد أن يكون في هذه المسألة:
أولاً: هذا الأمن وهذا الاهتداء: (( أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ))[الأنعام:82] هو للمؤمن الموحد في الدنيا والآخرة ولا ريب في ذلك، وأعظم أمن يأمنه الإنسان في الدنيا، هو أن يطمئن قلبه بذكر الله: ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28] فيأمن بذلك ويسكن إليه، والاهتداء بأن يكون مستقيماً، كما ندعو ربنا تبارك وتعالى في كل ركعة: ((اهدنا الصراط المستقيم) ولكن هذا الأمن والاهتداء لا يكون لمن أعرض عن ذكر الله: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى))[طه:124] فمن أعرض عن ذكر الله ليس له أمن حتى في هذه الدنيا، فلا يطمئن أو يأمن ولا يستقر له قرار أبداً، ولو أوتي من كنوز الدنيا جميعاً.
وهذه الدول التي يسمونها متطورة ومتقدمة، وكل الرفاهية الدنيوية موجودة، مع ذلك يوجد الشقاء فيها، حيث الانتحار والقلق والجرائم والفساد والتفكك العائلي، شيء رهيب جداً، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى هل يعني ذلك الأمن أن الإنسان يأمن أنه ليس منافقاً، وليس مشركاً؟
ليس هذا هو المقصود، بل الواجب في هذا أن نخاف منه، يقول الحسن البصري رحمه الله عن النفاق: [[ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق]] فالمؤمن يخاف من النفاق، ويقول ابن أبي مليكة وهو من التابعين: [[أدركت ثلاثين -وفي بعض الروايات قال: ثمانين- من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم يخشى على نفسه النفاق]].
ولهذا لما قال الله تبارك وتعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) [المؤمنون:60] فسرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -والحديث له طرق يشد بعضها بعضاً- لما سألت عائشة رضي الله عنها: هل هم الذين يزنون ويسكرون ويتبرجون في الأسواق، ويتعاطون المحرمات -والعياذ بالله- فهؤلاء يفعلونها ويخافون من الله، فهل هؤلاء هم المقصودون في الآية؟
لا، هؤلاء ليسوا مقصودين في الآية، بل هم الذين يصلون ويصومون ويحجون ويزكون، ويفعلون الطاعات، ولكن يخافون ألا تقبل منهم.
فإذاً المؤمن مهما اجتهد واستقام فإنه يضل خائفاً، حتى قال بعض الصحابة: [[لو وضعت قدمي اليمنى في الجنة، ما أمنت حتى أضع الأخرى]] وهذا من شدة خوفهم رضي الله عنهم، فالمؤمن يخاف من هذه الناحية، لكن هو مطمئن -والحمد لله- من ناحية أخرى أنه عرف الله، واطمأن بذكر الله، فهو مرتاح من هذا الجانب.
ولذلك ما أصابه من مصيبة أو هم أو غم أو أذى؛ فإنه دائماً يسكن ويشعر بهذا الاطمئنان الذي لا يجده أحد أبداً إلا من كان مؤمناً بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ففرق بين هذا وبين هذا.