وأكثر ما يقع الشرك اليوم في الأرض من الروافض الذين يعبدون الحسين بن علي رضي الله عنهما، وعن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمعين، فيتعلقون به أشد من تعلقهم بالله، فيجتمعون وينوحون ويبكون ويقرءون القصائد والمراثي الطويلة، والسبب في بكائهم أن في هذه القصائد والأشعار أنه مات ضعيفاً وحيداً في الصحراء، وأنه مات عطشاناً، وأن أعداءه تكالبوا عليه وقتلوا ابنه.
وهم يزيدون من عندهم أشياء وتفاصيل، وكلما ذكروا شيئاً منها يزدادون في البكاء، فإذا انتهوا من العويل والنياحة، قالوا: ندعو الحسين، سبحان الله! هو لم يملك لنفسه شيئاً، وهو في تلك الحالة وفي ذلك الكرب في يوم كربلاء، ففي ذلك الموقف، لم يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فقتله أولئك القوم ولم يستطع أن يفعل لنفسه شيئاً، فكيف تعبدونه من دون الله؟!
وهم أيضاً يعبدون علياً رضي الله عنه، وهو الذي كم أصابه من مشكلات ومواقف في يوم صفين وفي غيرها! ثم خرجت عليه الخوارج، وانقسمت عليه الأمة، وفقد بعض الأقاليم من ولايته، وتعب تعباً شديداً، ولم يكن يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، حتى جاءه الشقي عبد الرحمن بن ملجم، فضربه بالسيف على هامته، فمات رضي الله عنه بعد أيام من ضربة هذا الشقي.
فأين نفعه لنفسه؟! وأين كشف الضر عن نفسه، حتى يملك لكم كشف الضر وتحويله عنكم؟! ومع ذلك يدعونه من دون الله!!
فإذا ذهبت إلى بعض البلاد -مثلاً مصر- فإنك ترى شيئاً عجيباً جداً، فإنك تجدهم يقولون: رأس الحسين مدفون هاهنا، فيقولون رأس الحسين ولا يقولون الحسين كله، وهذا بغض النظر عن أنه كيف يعبد في كربلاء، ويعبد في العراق في النجف، ويعبد في دمشق، ويقال: أنه مدفون هناك، ويعبد في مصر ويقال: هنا رأس الحسين، مع أن هذا الضريح لم يبن إلا بعد ثلاثمائة سنة من وفاته.
ثم أنك تجد هناك شيئاً عجيباً من الزحام والدعاء والتضرع حول ما يدعون أنه قبر رأس الحسين.
فإذا كان هذا رأسه الذي فصل عن جسده -وهذا غير حقيقة ولكن تنزلاً، إذا افترض أن هذا الرأس قطع- وجيء به من كربلاء في العراق ودفن في مصر، فهل هذا مبرر أو موجب لعبادته ودعائه من دون الله، أو هو دليل على فقره وعجزه وضعفه، حيث يقطع رأسه وحمل إلى هذه البلاد، ولم يستطع أن يدفع عن نفسه أي شيء؟!
لكن ليس للمشركين عقول، وإنما أمرهم أحد أمرين:
1- إما جهلة مقلدون: ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23] فلا يوجد أقل تفكير، بل تقليد أعمى.
2- وإما محتالون ولصوص ومجرمون يأكلون السحت، فيأتي عند القبر ويقول: ماذا تريد من الحسين؟ هل تريد الزوجة؟ إو إذا كانت فتاة، هل تريدين زوجاً أو خطيباً؟ والذي يريد المال موجود... وهكذا.
فتدفع للسدنة عند الضريح مبلغاً من المال، وهم يسمحون لطالب الحاجة أن يدعو، والمهم أن تدفع شيئاً للسيد -للبدوي أو للحسين أو لـنفيسة، أو غيرهم- وهذا النذر لا يأخذه صاحب القبر، وأحياناً لا يوجد قبر أصلاً، كالقبر المزعوم أنه للحسين وهو لا يوجد أصلاً فيه شيء.
فالذي يأخذ المال هم السدنة، فهم يضحكون على عقول الناس، ويجمعون هذه الأموال ويستفيدون منها.
ولذلك من القصص العجيبة جداً: أنه يوجد ضريح ضخم في أحد البلاد، يسمونه ضريح الخواجة، وهذا القبر لرجل هولندي -وكما تعرفون أن أي رجل أوروبي يسميه بعض الناس خواجة- وكان قد جاء في قناة السويس عاملاً في الشركة التي جاءت لتحفر القناة، فسقط في البحيرة فغرق فيها، ثم طفت الجثة على سطح الماء، فسحبوا الجثة وحفروا لها ودفنوها، ثم بنوا عليها ضريحاً.
فهذا نصراني كافر وإلى الآن يدعونه، ويسمونه ضريح الخواجة.
وأشد من هذا ما يحكى -ويقال أنه متواتر وأنه حصل أكثر من مرة-: أن بعض اللصوص المجرمين ذهبوا يقطعون الطريق، ويحتالون على الناس، فما وجدوا شيئاً يحتالون به على الناس، وكانوا رجلين ومعهم حمار، فذبحوا الحمار ودفنوه، وبنوا عليه قبة، وجلسوا على الطريق، ومن مرّ من عندهم قالوا له: هذا ضريح الشيخ فلان، ومع المدة كثر الناس الزائرون للضريح، وكثرت الأموال والنذور.
فبدل أن كانوا يريدون أن ينهبوا الناس؛ أصبح الناس هم الذين يعطونهم طواعية للشيخ وللولي.
حتى جاء يوم من الأيام فاختلفا، فقال أحدهما للآخر: احلف بالله أنك ما غششتني، فقال: والله العظيم لم أغشك، فقال له: لا. لا أقبل إلا بواسطة الولي -والعياذ بالله، فمن شركهم بالله لا يقبلون الحلف بالله، وهذا شيء معروف الآن، فإذا حلفت بالله فقد يقبل وقد لا يقبل، لكن إذا حلفت بالشيخ فإنه مباشرة يصدق، مثلاً الشيخ عبد القادر الجيلاني كان في الهند أو في أفريقيا، أو في أي بلاد إذا حلف بحياة الشيخ فإنه يصدق مباشرة- فلما حلف له على حياة الشيخ أنه لم يغشه قال: تحلف ونحن دفناه سوياً! أي: نحن الاثنين نعرف من هو المدفون.
فيظهر من ذلك أنه حتى الذين دفنوه صدقوا؛ لأن الكذب إذا كثر وانتشر وجبل عليه الناس فإنهم يصدقونه، وهذه قضية نفسية، وقد قيل: إن أشعب الطماع مرّ به أطفال، فقالوا: يا أشعب! يا طماع! وآذوه وهو في الطريق، فقال: اذهبوا إلى بيت آل فلان فإن فيه وليمة كبيرة، فالأطفال قالوا: هذا أشعب وأكيد أنه يعرف الولائم فصدقوه وذهبوا، ثم بعد قليل فكّر، ثم تبعهم، فقيل له: لماذا تبعتهم؟ قال: يمكن يكون صحيح. وهذا يقع أحياناً، وهو الذي قال لهم هذه الكذبة.
فكذلك بعض الناس يكون هو أول من يبتدع الشرك، وأول من يحدثه، ثم يصدق ذلك، وهذه تسمى الحيل النفسية.
فكثير من الناس يحتال، فيقول للناس: أنا فعلت وأعطيت وعندي، وهو كاذب، ثم ينقل الناس هذا الكلام عنه، وبعد فترة يأتيه الشيطان فيصدق أنه كذلك، وهو الذي يكون ابتدعها من عنده.
وهذا حتى تعلموا مكر هؤلاء المكارين.
فهؤلاء شياطين الإنس والجن، يضحكون على الناس حتى أصبح الإنسان العاقل اللبيب، أو من يبحث عن الإسلام لو جاء إلى بلاد المسلمين، كما هو الحال في كثير من الأوروبيين الآن والأمريكيين -كثير منهم حيارى ضائعين، وتائهين يبحثون عن دين- إذا جاء إلى بلاد المسلمين يريد الإسلام، فيقال له: هذا هو الإسلام، فيجد عبادة القبور، ودعاء الموتى، والاستغاثة بهم، وهم عندهم عبادة القديسين والمسيح في دينهم المحرف.
فيقول: هذا الذي هربت منه، واعتقدت أنه خرافة، ثم أجده عند المسلمين، فلا يؤمن أيضاً.
فهذا شرك، وفيه أيضاً صد عن سبيل الله تبارك وتعالى، فهذا هو التوسل الشركي، وهو يملأ الأرض إلا ما رحم الله تبارك وتعالى.
وهم يريدون أن يحيوه حتى في هذه البلاد الطاهرة، فيقولون: لماذا لا تُبنى القبور وتعظم؟ وهذا ليس من الشرك، وأنتم تكفرون الناس، وهذا يقول لا إله إلا الله فكيف تقول: أنه مشرك.
فنقول: إذا قال لا إله إلا الله ونقضها، مثلما إذا توضأ ونقض وضوءه، أو صلى وأبطل صلاته، وكما ترون تبدأ البدع شيئاً فشيئاً.
ولذلك ما يفعل عند قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من استقبال الناس للقبر واستدبارهم للقبلة ليدعون، فهذا وإن دعوا الله تبارك وتعالى فهو من وسائل الشرك، فيوماً ما -بل هو واقع الآن- سوف يأتي بعض الناس ويدعو ويقول: يا رسول الله! ويظن أنه لم يأت من بلاد بعيدة إلا لزيارة قبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولدعاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا هو الشرك الأكبر -والعياذ بالله- وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي حمى التوحيد، ودافع عنه، وجاهد في الله حق جهاده، حتى لا يعبد إلا الله، ومع ذلك يتخذ وسيلة.
وأحياناً يعرض في التلفاز أناس عند القبور يدعون، فيقول بعض الناس: لو كان شركاً هذا أو فيه شيء ما كان ليعرض في التلفاز، وهذا من الاقتداء بمن ليس بقدوة، وهذا من مصائب الناس، أنهم يرون الآيات الواضحة والأحاديث الصحيحة في الشرك، ولكنهم يتركونها ويقولون: هذا يعرض في التلفاز ولو كان فيه شيء لما عرض.
إذاً فيستدبر الإنسان القبلة، ويستقبل القبر ويدعو، فحتى لو دعا الله فإن هذا بدعة، وإنما الصحيح والمشروع أن الإنسان إذا زار المدينة فينوي بالزيارة زيارة المسجد لا القبر، فإذا زرنا المسجد وزرنا المدينة فإننا نسلم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه، وأيضاً نزور البقيع.
وهذه هي الزيارة الشرعية، وأيضاً إن كنت في أي مكان وزرت المقابر زيارة شرعية بآدابها الشرعية، فهذا فيها أجر عظيم، وفيها تذكير بالآخرة، ونحن مأمورون بها لأنها تذكرنا بالآخرة.
فالذي يزور القبر، ويسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبيه، ثم يدعو ويستغيث عند القبر، وعند البقيع، أو عند شهداء أحد، أو عند أي مقبرة من المقابر، فهذا لا يجوز، بل ندعو الله وحده، ولا نشرك به أحداً.