فشرك العبادة ودعاء غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الشرك الأكبر، والإمام رحمه الله في هذه الآية، أراد أن يبين لنا كيف نتجنب هذا الشرك، وكيف رد الله على هؤلاء المشركين، فقال تعالى: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)) [الإسراء:56] ومعنى الآية: ادعوا كل من تزعمون أنه إله من دون الله أن يكشف عنكم الضر وأن يحوله إلى غيركم فلن يستطيع كائناً من كان!
فهؤلاء الأموات -وأفضل من في الأموات الأنبياء- كانوا يدعون الله، ويتضرعون إلى الله، وكانوا فقراء إلى الله، وكانوا محتاجين إلى الله، وكانوا لا يملكون نفعاً ولا ضراً لأنفسهم ولا لأحد من الخلق إلا ما شاء الله، فكيف يعبدون؟!
وكيف يدعون من دون الله وهم لا يملكون شيئاً من ذلك؟!
ثم جاءت الحجة الدامغة، والبرهان القاطع، فقال: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ))[الإسراء:57] أولئك الذين يدعون، وفي قراءة: أولئك الذين تدعون، والمعنى واحد لا يختلف، وهو: أن المدعوين المعبودين من دون الله سواءً كانوا من الملائكة أو الأنبياء أو أي عبد صالح عبد من دون الله، أومن الجن ألذين أسلموا -كما فسرها بعض السلف: [[أنهم كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي العباد يعبدونهم]] يقول الله تعالىفيهم: أنهم أنفسهم يتقربون إلى الله، ويبتغون إليه الوسيلة، فهم أنفسهم يعبدون الله، ويدعون الله وحده لا شريك له، وهم أنفسهم يريدون أن يكون بينهم وبين الله محبة وصلة وقربة، وأن ينالوا عنده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الدرجات العليا، ويفوزوا برضاه، وهم أنفسهم يخافون من الله، ومن عذابه وعقابه، وهم أنفسهم يطمعون في رحمة الله، ويرجون ما عنده.
إذاً إذا كان هذا هو حال المعبودين، فكيف يُعبدون من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
فكل الشرك الموجود -الآن- في العالم وفي القديم والحديث، يقال: أنه توسل، وينكرون أنه شرك، والتوسل فيه خلاف عندهم، بعضهم يقول: لا بأس به، وبعضهم يقول: إنه واجب، فيجعلون الشرك كله من التوسل، وهذه الآية ترد عليهم، كما يرد عليهم قوله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [المائدة:35].
إذاً نحتاج أن نعرف ما هي الوسيلة؟