والثالث: الصبر على الأقدار، وضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك مثلاً لابن آدم فقال: { هذا الأمل } والأمل نافذ وبعيد, والإنسان الذي عمره خمسين أو ستين سنة, يؤمل إلى ما بعد المائة أو المائتين أو أكثر، وصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يشيب ابن آدم ويشب معه اثنان الحرص وطول الأمل} فكلما ازداد عمره، ازداد الحرص وطول الأمل عنده، فسبحان الله! دائماً الكبار أحرص من الصغار على الدنيا وعلى عدم إضاعة أي شيء, وعلى عدم التفريط في أي شيء, وهذا كلام حق من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيؤمل الإنسان الأمل البعيد، والأجل يقطعه.
وهناك قصة واقعية مشهورة، تقول: إن أحد التجار تعاقد مع شركة على مصنع, وهو كبير في السن -عمره فوق الستين سنة- وقال لهم: كم يمكن أن يستمر المصنع في الإنتاج ولا يتعطل بالكلية؟
قالوا: يمكن أن يستمر مائتي سنة.
والشركة أصحابها كفار، فقدروا أن المصنع سيستمر مائتي سنة ولا يتعطل.
قال التاجر: وبعدها أأقفله؟!
فهذا التاجر عمره قرب الستين, ولكن الإنسان ينسى، ويظن أنه باقي, وأن عمره ممدود لكن الأجل يقطعه، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم السهام قبل الأجل, فهناك العوارض: مصيبة أو مشكلة أو مرض أو خسارة لا يخلو منها أي إنسان.. فهذه هي حقيقة الحياة, ولهذا لا بد في هذه الحياة من الصبر.
وهذا الصبر واليقين أثنى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على من جاء بهما ورفعه: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة:24] فالذين يجمع الله لهم بمنه, وفضله, وتوفيقه بين الصبر واليقين؛ يكونون أئمة هداة يهدون بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ويقتدى بهم، وهذه لا تجتمع إلا لمن وفقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهكذا بقية أعمال القلوب.
ونكون بهذا -إن شاء الله- قد أتينا على قول اللسان, وقول القلب -أي إقراره وتصديقه- وعمل الجوارح وأعمال القلب, على إيجاز في ذلك, وننتقل إلى معنى شهادة أن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.