حقيقة الإيمان
فإن تحقيق الإيمان يكون بأربعة أشياء: بقول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح، ولا تكون شهادة أن لا إله إلا الله إلا بذلك، بأن يشهد أن لا إله إلا الله، ويقولها بلسانه ويقولها بقلبه، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من قال لا إله إلا الله يصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه}.
فهذه هي حقيقة الإيمان الذي ينجو صاحبه عند الله فعلاً، أما الذي ينجو من سيف المؤمنين في الدنيا -فقط- ونجري عليه أحكام المسلمين في الدنيا، لكنه لا ينجو عند الله فهو الذي يتلبس بالشرك، وهذا ليس فيه فائدة، وإنما نحن نتكلم في النجاة عند الله ظاهراً وباطناً.
ويجب أن نعلم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله بلسانه فليس بمسلم، فمن لم يقر بلسانه بشهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بمسلم، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو كافر وهذا معلوم، ولكن ننبه عليه لوجود من شكك فيه وذكر فرقاً بينهما من الفرق.
وكذلك يجب أن نعلم أنه لا بد من اعتقاد القلب: فقد كان المنافقون يقولون -إذا جاءوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نشهد إنك لرسول الله، وهم أمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنطق باللسان موجود، ولكن في الواقع شهد الله تبارك وتعالى عليهم أنهم كاذبون في شهادتهم، فهؤلاء لا تنفعهم الشهادة باللسان لأنهم لم يشهدوا بقلوبهم، فلا بد من شهادة القلب، بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتصديق القلب بذلك.
إذاً الإيمان عندنا يتركب من أربعة أشياء: القول وعرفنا أنه قول باللسان، وقول بالقلب، ومعناه: الإقرار والإذعان والاعتقاد في القلب بأن الله تعالى واحد، وأنه المعبود المستحق للعبادة وحده لا شريك له، والاعتقاد بالقلب بأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو عبد الله ورسوله، وهذا هو الاعتقاد.
ثم العمل: عمل القلب وعمل الجوارح، فما هو عمل القلب؟
قول القلب هو: الإقرار والاعتقاد، أما عمل القلب فهو اليقين، والإخلاص، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والرجاء، والخوف، والإنابة، والصبر، والإخبات، والانقياد، والإسلام، والإذعان، والتسليم، والرضا بحكم الله وبقدر الله، إذن هذه هي أعمال القلب، وأعمال، القلب أعظم الأعمال وكل العبادات تتفرع منها.
فلا بد من الإيمان القلبي الذي هو قول القلب وعمل القلب.
ثم إن شهادة أن لا إله إلا الله، هذه الكلمة العظيمة, التي نشترط أن تقال باللسان، وأن تقال بالقلب, بمعنى الإقرار والاعتقاد والتصديق، بالإضافة إلى عمل القلب والجوارح بمقتضاها، وبهذا يستكمل الإيمان، عندما نقول ذلك فإننا نريد أن نبين كيف نستكمل الإيمان، وأن نبين للناس معنى الإيمان في منهج أهل السنة والجماعة.