الحالة الأولى: إن كان في المعركة: كما في حديث أسامة رضي الله عنه، إن كنا في المعركة، نجاهد الكفار، ونقاتلهم ونحاربهم، فقال الرجل من الكفار: لا إله إلا الله فهل نقبل منه ونكف عنه؟
فـأسامة بن زيد رضي الله عنه قتل رجلاً من المشركين في الحرب، بعد أن قال: لا إله إلا الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد استعظم ذلك، واستفضعه: {أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟! فقال: يا رسول الله، إنما قالها يتعوذ بها من السيف} أي: لما رأى السيف يهوي عليه أراد أن يتعوذ بها عن السيف فقالها، فلم يكن قصده الإسلام، قال: {أشققت عن قلبه} فانظروا كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الرحمة ونبي الهدى يعلمنا أن لنا الظاهر في هذه الحالة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فعلينا أن نكف، ونرفع عنه السيف.
الحالة الثانية: في حالة الاستقرار: من نطقها فإننا نتركه يعمل، لكن هل نتركه يعمل ما يشاء، ونقول: قد قال ذلك اليوم لا إله إلا الله؟
هذا الذي يظنه كثير من الناس اليوم، فيقول أحدهم: أنا ولدت من أب مسلم وأم مسلمة، والحمد لله، والمجتمع مسلم، وكلنا نقول: لا إله إلا الله، إذاً لا إله إلا الله تكفي وحدها!
فنقول لهؤلاء: الدخول في الإسلام وإثباته وأحكام الإسلام شيء، وتحقيقه شيء آخر، يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى} وقد يكونون منافقين غير صادقين، لكن نحن لنا الظاهر.
وفي الحديث الآخر: {من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا} أي: في الأحكام.
فيجب أن نفطن وأن نفقه هذه الحقيقة، فبالنسبة للأحكام نجري أحكام الإسلام على كل من أظهر الإسلام وأظهر الشهادتين، بأن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأدى الصلاة وآتى الزكاة فهذا نجري عليه أحكام الإسلام.
وبالمناسبة قد يقول بعض الناس: في حديث: {بني الإسلام على خمس} ذكر خمسة، وهنا ذكر ثلاثة: الشهادتين والصلاة والزكاة، فأين الركنان الآخران؟
فيقال: يمكن أن يكون في نهار رمضان مفطراً لعذر، وقد يكون مفطراً ولا يدرى عنه، وأما الحج فلأنه مرة واحدة في العمر، فيمكن ألا يحج هذه السنة، ويريد الحج في التي تليها، ولذلك بنيت الأحكام الظاهرة على الأمور الواضحة الظاهرة، مثل الصلاة، فهي شعيرة واضحة وظاهرة لا بد أن تؤدى، والزكاة لأنها كل عام تؤخذ ويأخذها الإمام أو نائبه، فهذه تؤدى، فمن جحدها ولم يأتِ بها -وهي حق الإسلام- يعاقب بالعقوبات الشرعية المعروفة.
فالمقصود أن من أقام الصلاة، وآتى الزكاة بعد الشهادتين، فهذا مسلم، نقر له بالإسلام، أي: له علينا الحقوق الشرعية.
مثلاً: إذا مات علينا أن نغسله ونكفِّنه، ونصلي عليه وندفنه في مقابر المسلمين، فهذا حق له نعامله به، وإذا جاء إلى بيت المال -الذي جعله الله سبحانه للمسلمين عامة- فنعطيه منه، وهذا حق من حقوقه.
إذاً له ما لنا وعليه ما علينا، لا نغشه ولا نظلمه فإذا قال أحد: هذا منافق وكذاب، وقد يكون عرفه في لحن القول، لكن ما لم يظهر ما يناقض هذا الأمر بأمر شرعي يستحق عليه العقوبة فنظل نحن نعامله ظاهراً على أنه مسلم، فإذا تزوج وعقد كان زواجه صحيحاً، وإذا باع فبيعه صحيح، ولا يمنع من دخول الحرمين، وأحكام المسلمين كلها تجري عليه.
لكن المشكلة، أنَّا نخلط بين إجراء الأحكام وبين حقيقة الإيمان، فنجري له أحكام الإسلام نعم، لكن هل هو محقق للإيمان، كلنا ينظر إلى نفسه أولاً ثم إلى غيره.