''قوله: من شهد أن لا إله إلا الله، أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً -فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما- كما قال الله تعالى: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) [محمد:19] وقوله: ((إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))[الزخرف:86].
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل -قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح- فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب.
وهذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان.
وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً ''.
أقول: كلام العلماء رحمهم الله كثير في هذا الموضوع، كما سمعتم في كلام القرطبي وغيره أيضاً.
والمقصود: أن حديث عبادة بن الصامت الصحابي البدري، أحد النقباء، الذين كانوا نقباء الأنصار رضي الله عنهم، ويكفي أنه شهد بدراً فضلاً، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فليس وراء هذا الفضل من فضل إلا من كان أفضل من أهل بدر، كالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وهم من ضمنهم، ولكنهم أفضل.
وفي هذا الحديث يحدث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمداً عبده ورسوله } ومعنى ذلك أن الجزاء في النهاية إدخال الله له الجنة على ما كان من العمل.
والباب: باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، فكلمة التوحيد هي التي بها يكفر الله تعالى الذنوب، ويدخل الإنسان الجنة، على ما كان من عمل، فهذه الكلمة أو الشهادة بأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو وحده الإله المعبود لا شريك له، والشهادة لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عبد الله ورسوله، هذه هي كلمة التوحيد، والذي يحقق التوحيد هو الذي يحقق هذه الكلمة.