والاستفهام أو السؤال له موضعه، كما ذكر الشارح رحمه الله عن العلامة
ابن عبد البر قوله: "من سأل مستفهماً راغباً في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثاً عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي السؤال"، فالمسلم لا يسأل إلا في مثل هذه الحالات: أن يسأل وهو راغب في العلم، يريد أن ينفي الجهل عن نفسه، أو يبحث عن معنى يتعين أن يقف عليه أو أن يعرفه لدينه، "فشفاء العي السؤال" ففي هذه الحالة يجب أن يسأل الإنسان، ولا يجوز أن يعبد الله سبحانه وتعالى على جهل، بل يجب أن يسأل عن أمور دينه؛ قال تعالى: ((
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))[النحل:43]، فهذا السؤال ليس مما يعاب على الإنسان، ومن سئل فلا ينبغي له أن يستنكف عن الجواب في مثل هذه الحالة من الاستفهام.
قال ابن عبد البر: "ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم.."، وقد نهى العلماء رحمهم الله عن الألغاز والأحاجي التي يذكرها أهل الرأي وغيرهم، وقد أصبحت الألغاز والأحاجي عند المتأخرين فناً من فنون الأدب، فيسألون في أحكام فقهية، ويسألون في أمور دينية شرعية لا على سبيل المعرفة، ولكن على سبيل التعنت أو الإلغاز، كما في مقامات الحريري مثلاً، فإن فيها أحاجي وألغازاً فقهية، وكذلك نحوية، وهكذا في كل فن، فجعلوا الدين من ضمن ذلك، فيسألون على سبيل التعنت والعناد، أو على سبيل اختبار المسئول، فيأتون إلى رجل عالم يفتي الناس في الفرائض، فيسألونه عن مسألة طويلة حتى يعرفوا هل يستطيع بالبديهة أن يحسب ويجمع، وهل سيعطي نصيب كل واحد كما يستحقه؟ وهذا من النوع لا يجوز أن يسأله الإنسان.
قال رحمه الله: [ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره]، ففي هذه الحالة لا يجوز أن يسأل هذا النوع من الأسئلة، ولا يجوز كذلك السؤال على سبيل التعريض بالغير، فيجب أن يتنبه الإنسان، فطلب العلم له آداب كثيرة، وهذا منها، وهو أنه لا يجوز السؤال على سبيل التعريض بأخ من إخوانك المسلمين، ولو وقع في هفوة أو بدرت منه بادرة، ولا سيما إذا رجع عنها وتاب، أو كان لا يريد أن تُعرف عنه، فسألت أحد العلماء على ملأ: ما حكم من فعل كذا وكذا؟ وذلك الرجل موجود أو غائب، ولكن من يشهد الواقعة يعلم أن المقصود بالسؤال هو ذلك الشخص، والمجيب وهو المسئول قد لا يدري، فيتكلم، فيؤذي صاحب الشأن أو الواقعة، فهذا مما لا ينبغي أيضاً، فإن الاستفهام أو الاستعلام لا يكون إلا لطلب العلم وللتعبد، فيعرف الإنسان ربه ودينه، فيعبده على بصيرة.