المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[وأكبر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة: مسألة القدر، وقد اتسع الكلام فيها غاية الاتساع]اهـ.
الشرح:
هذه المسألة تحتاج إلى تعقيب، فليست أكبر المسائل التي خاضت فيها الأمة، فلو قال: (من أ كبر..) لكان قوله صواباً. وهذا يرجعنا إلى مسألة الأصول التي وقع فيها الافتراق، فأول مسألة افترقت فيها الأمة افتراقاً كبيراً، هي مسألة الإيمان، فـالخوارج منذ عصر الصحابة وهم في نزاع وخروج، ثم قامت لهم دول، وكانوا يذهبون إلى تكفير صاحب الكبيرة، وفي المقابل كانت المرجئة، والشيعة -الذين كان لهم مذهبهم الخاص في الإيمان- فأكبر مسألة وقع فيها الخلاف في القرن الأول تقريباً هي مسألة الإيمان.
وفي القرن الثاني -فما بعد- أصبحت أكبر مسألة بين الأمة هي مسألة الصفات، ولنأخذ صفة واحدة -مثلاً- حتى يتضح عظم ذلك، وهي: القرآن وصفة الكلام، فقد جرى بسببها افتراق عظيم، وبسببها عذب أئمة الإسلام إلا من لجأ إلى التقية، وأوذوا، وسجنوا، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ولم يثبت في هذه المحنة إلا الإمام أحمد ومحمد بن نوح وقليل من العلماء، وغيرهم إما داهن، واتقى، وإما وافق، فهذه المسألة مسألة مهمة جداً، وهي جزء من مسائل الصفات.
فمسألة القدر -في الواقع- ليست أكبر المسائل؛ لكنها من أكبرها، ولو ذكرنا المسائل أو الأصول التي عظم فيها افتراق الأمة في العقيدة مرتبة؛ لكانت كما يلي أولاً: الصفات، ثانياً: الإيمان، ثالثاً: القدر، أو مسألة ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله: [وقد اتسع الكلام فيها غاية الاتساع]، إن كان قصد الشيخ -كما هو ظاهر كلامه رحمه الله- أن الكلام قد اتسع في مسألة القدر بين الأمة وتشعب الرأي، وحرص أهل السنة على أن يبرزوا أبواب القدر في جميع كتبهم، وفي كتب العقيدة خاصة، وقد كانت تسمى بكتب السنة، ككتاب السنة لـابن أبي عاصم، ففيه أحاديث وآثار كثيرة في باب القدر، وكذا شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، والسنة لـعبد الله بن أحمد، والشريعة للآجري، وكل من كتب في العقيدة فإنه يأتي بأبواب كثيرة في القدر، بالإضافة إلى كتب السنة التي هي كتب الحديث.
فمسألة القدر -كما قال المصنف- قد اتسع الكلام فيها على هذا المعنى، وأهل السنة والحمد لله أوفوا هذا الباب حقه، بما أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى صحابته في هذا الشأن، مما يتفق مع صريح القرآن في مسألة القدر، وكذلك اتسع الكلام عنها لأن فيها دقة وغموضاً؛ بخلاف الصفات؛ فإن الأصل فيها الوضوح، ومسألة الإيمان فيها إشكال يسير، ولكن مسألة القدر فيها دقة وغموض أكثر. ولهذا فقد أطال فيها الشيخ هنا، ونحن كذلك أطلنا في شرحها حتى تتضح أكثر.