المادة    
يتصف أهل السنة والجماعة بخصائص وصفات كثيرة؛ نذكر منها ما يلي:
  1. اتباع الكتاب والسنة

    الصفة الأولى: اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إليهما في كل صغيرة وكبيرة؛ فإن ذلك من صفات أهل السنة، بل هي أولها وأعظمها، ولهذا فهم لا يقدمون على الكتاب والسنة رأياً ولا عقلاً، ولا ذوقاً ولا كشفاً، ولا قول إمام أو شيخ كائناً من كان، بل يتبعون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقدمونهما على قول كل أحد حتى على آرائهم، وعلى أنفسهم، ونتيجة لذلك نجد أن أهل السنة والجماعة في جميع العصور يهتمون بالكتاب والسنة؛ لأنهما المرجع الذي يرجعون إليه ويتبعونه، فيهتمون بكتاب الله حفظاً وتلاوةً، وتفسيراً وتطبيقاً، وإقامة لحدوده، ويهتمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم تصحيحاً وتضعيفاً، ومعرفةً، وتطبيقاً وإقامةً لها، فهذا حالهم، وهذا شأنهم.
    وهذه أعظم ميزة يتميزون بها عن جميع الطوائف وسائر الفرق، ولو نظرنا إلى كل الجهود التي بذلت لخدمة الكتاب والسنة -ولاسيما في علم الحديث- لوجدنا أن الفضل الأكبر واليد الطولى في ذلك -بعد توفيق الله سبحانه وتعالى- لـأهل السنة، ومن خدمها من أهل البدعة، فإن ذلك يُعد نعمة عليه أن شغله الله سبحانه وتعالى بالسنة، ولو اشتغل بغيرها لكان أبعد عن الدين، ولكن اشتغاله بالسنة مع ما لديه من الهوى؛ يجعل درجته ومنزلته في برزخ بين أهل البدعة المحضة، وبين أهل السنة المحضة.
  2. ترك الابتداع في الدين

    الصفة الثانية: أنهم لا يبتدعون, بل يحاربون البدعة في الدين أياً كانت، حتى لو فُعلت البدعة بقصد حسن لا بقصد الابتداع في الدين، فإنها تحارب؛ لأنها بدعة، ولأنها تضعف من قيمة الاتباع الذي هو الأساس الأول لأن يكونوا (الجماعة) كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر في كل زمان ومكان، وهم المتصدون للبدع قديمها وحديثها، وهذا من أعظم ما يميزهم، فهم عندما يدافعون عن السنة ويحاربون البدعة؛ إنما يفعلون ذلك محافظة على الأصل العظيم الذي يجب أن يرجع إليه المسلمون جميعاً، وهو الكتاب والسنة، والاستقامة عليهما.
  3. الإيمان بالكتاب كله

    الصفة الثالثة: أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكتاب كله، ويدخلون في الدين كله، كما أمر الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))[البقرة:208]، والسلم: هو الإسلام، والمعنى: أن ندخل فيه كلنا؛ دخولاً كلياً حتى يكون الدين كله لله، هذا احتمال.
    والاحتمال الآخر: أن ندخل فيه كله، فنأخذه من جميع جوانبه، وكلاهما حق، وكلاهما مطلوب، فـأهل السنة والجماعة لا يبطلون بعضاً من الدين ليقيموا البعض الآخر؛ خلافاً لأهل البدع، فإنالخوارج -مثلاً- يأخذون النصوص الدالة على الوعيد لأهل الكبائر، وعلى شناعة الذنوب، ولكنهم يتركون جانب الوعد، وفي المقابل جاءت المرجئة فأخذت جانب الوعد وأظهرته وأبرزته، وتركت وأهملت جانب الوعيد، فأهل البدع يقيمون شيئاً من الدين، ويتركون شيئاً آخر، لكن أهل السنة والجماعة يأخذون بأحاديث الوعيد وآياته وكذلك الوعد، ويجمعون بينها جميعاً، ويؤمنون بها جميعاً؛ فإذاً: هم يؤمنون بالدين كله.
    وكذلك في باب القدر؛ فمنهج أهل السنة والجماعة وسط بين القدرية والجبرية، فإن القدرية أخذوا بالنصوص الدالة على أن العبد هو الفاعل، وهو المسئول عمَّا عمل، وكل دليل يدل على مسئولية العبد ومؤاخذته على أعماله أخذوا به وأبرزوه؛ لكنهم تركوا النصوص الكثيرة الدالة على أن الله تبارك وتعالى قدَّر أفعال العباد، وكتبها وخلقها.
    والجبرية بالغوا في إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق أفعال العباد، وهو الذي يدبرهم، وهو الذي يصرفهم؛ حتى جعلوه هو الفاعل لأفعال العباد، فغلوا في ذلك، وتركوا الجانب الآخر، وهو النصوص التي تدل على أن العبد مسئول ومؤاخذ عمَّا عمل، وأنه يعمل بإرادته ومشيئته واختياره.
    وكذلك الموقف من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فـأهل السنة والجماعة يثبتون فضائل الصحابة جميعاً، فيثبتون كل ما صح من فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم من الصحابة، أما الروافض فيبالغون في علي وآل البيت ويقتصرون عليهم فقط، ويختلقون لهم الفضائل، وفي المقابل يبغضون بقية الصحابة، ويسبونهم ويكفرونهم، ويجحدون وينكرون ما ثبت من فضائل لـأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم.
    وقابلتهم الخوارج، فجحدوا كل فضيلة لـعلي رضي الله تعالى عنه وكفروه، وأنكروا نصوصاً صحيحة في فضله.
    وأما أهل السنة والجماعة فهم مقرون بفضلهم جميعاً رضي الله عنهم، وهم يثبتون ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به جميعاً. فأعظم صفة من صفاتهم: الإيمان بالدين كله، فلا يردون شيئاً منه.
    مثال آخر في باب الصفات: الذين نفوا صفات الله تعالى وقصدوا بذلك التنزيه وبالغوا في التنزيه، واستدلوا بقوله تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]، قالوا: فما دام أنه ليس كمثله شيء، فلا نثبت له اليد، ولا الوجه، ولا النزول، ولا العلو...؛ لأن هذه من صفات المخلوقات المحدثات الممكنات.. إلى آخر ما يقولون، فأخذوا بذلك التنزيه، وأولوا النصوص الدالة على الإثبات، وجاء في المقابل الممثلة أو المشبهة، الذين غلوا في إثبات الصفات، وتركوا النصوص الدالة على التنزيه.
    وأما أهل السنة والجماعة فإنهم آمنوا بالجميع، فقالوا: إن الله تعالى يقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى:11]، فـ(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) تنزيه عن المماثلة، وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إثبات للصفات، فهم يثبتون الصفات وينفون عنه المماثلة، وهذا منهج متوازن؛ لأن أهل السنة يؤمنون بالدين كله، ولا يردون شيئاً منه.
  4. الجمع بين العلم والعبادة

    أهل السنة يجمعون بين العلم وبين العبادة -وهذا في مجال السلوك لا العقائد- فالعالم من أهل السنة مع اتصافه بالعلم، نجده عابداً زاهداً، والصحابة والتابعون هم أوضح مثال لذلك -ولا يخالف في هذا أحد- وحتى أئمة السنة مثل: الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، وابن رجب، وغيرهم من أئمة السلف، نجدهم أئمة علماء، وفي نفس الوقت عُبَّاداً وزهَّاداً، فجمعوا بين العلم وبين العبادة، أما أهل البدع فإما أن يكون لديهم علم وفقه ومعرفة بالأحكام، لكن مع ضعف في الإيمان -نسأل الله العفو والعافية- لأنه مع فساد العقيدة لا يكون لديهم العبادة والخشوع والإخلاص لله سبحانه وتعالى، والزهد في الدنيا. وإما أن يكون فيهم العباد والذاكرون والزهاد، ولكن على غير علم، فيذهب أحدهم في الفيافي والبراري يهيم ويتعبد ويذكر الله بدون علم، حتى في الأمور التي يجب أن يعلمها الناس من أمور الحلال والحرام وأحكام العبادات الضرورية.
    فـأهل السنة من إيمانهم بالدين كله يحبون الورع، ويحبذون الزهد، ولكنهم لا يحرِّمون الطيبات، فهم يؤمنون بالنصوص الدالة على حل الحلال: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ))[الأعراف:32]، ولا يحلون ولا يحرمون إلا بدليل؛ لأن التحليل والتحريم دون دليل من علامات المفترين على الله الكذب، وهم -في نفس الوقت- يرون أن الزهد والورع درجة عليا ينبغي الحرص عليها.
    أما أهل البدع فهم بين:
    غارق في الشهوات، حريص على المناصب، كما كان أئمة الاعتزال والرفض يحرصون على أن يكونوا وزراء، ويتملقون للأغنياء، ويتقربون إلى الأمراء والوزراء.
    وبين تارك معرض عن الدنيا زاهد فيها، ولا يكتفي بالزهد فيها، بل يلوم ويذم الذين يتمتعون بالطيبات، وكلا الحالين خطأ، فهذا الفساد -وإن كان في السلوك- فإنه يدل على فساد الاعتقاد.
    وتأمل حال أئمة الصوفية -والعجيب أن هذه الظاهرة موجودة أينما وجد التصوف، وهذا من علامات فساد منهجهم- تجدهم يتكلمون كثيراً في التنفير عن الدنيا وملذاتها حتى تتعجب من كلامهم، ولكنهم -وهذا ملاحظ وملموس بشكل واضح- يحرصون على أن تكون علاقتهم ومعرفتهم وصلتهم بالتجار والأمراء والوزراء قوية، وكأن شخصيتهم تختفي في الظل، ولكنهم يستغلون ذلك لتقوية علاقتهم بالأثرياء، فأين علاقتهم بالمساكين والضعفاء؟! لا نجد ذلك عند كثير ممن يدعون التصوف، بل كلما ولي خليفة جديد تملقوا له وتقربوا إليه، فكيف نجمع بين دعوتهم للزهد وتحريمهم للطيبات، وبين تملقهم للتجار والأمراء؟!
    نعلم وبذلك أن فساد العقيدة والخلل في النظرة يؤدي إلى الخلل في الممارسة، وفي التطبيق والسلوك، بخلاف ما لو كانت العقيدة صحيحة، فلو كانوا يعتقدون أن حلال الدنيا حلال، لما فعلوا ذلك، فالحلال يبقى حلالاً، وما بعد ذلك فهو الورع، فيكون هذا موافقاً للحق، ومن ذلك يعلم أن من ملك الدنيا ثم تركها، أفضل ممن ابتعد عنها ونفسه تتوق إليها ويتملق لأهلها، فالتاجر المؤدي للواجبات، خير من شيخ طريقة ينفر الناس من الدنيا وهو يتملق للتجار ويحرص على علاقاته الودية مع الأثرياء.
    فشمول الإسلام وتكامله يظهران جلياً في أخلاق وصفات أهل السنة والجماعة، وإذا قلنا: إننا من أهل السنة، فليس بالضرورة أن يكون واقعنا كذلك، لكن يجب علينا أن نكون كذلك، ولا يجوز أن ندعو إلى شيء ونعمل بخلافه.. نسأل الله العفو والعافية.
  5. تميز أهل السنة بهذا الاسم

    وهناك ميزة تميز بها أهل السنة والجماعة وقد فطن لها كثير من السلف بعد أن ظهرت الفرق، فقد روي عن أيوب السختياني وعن غيره أنهم سئلوا: ما علامة أهل السنة ؟ قال: (الذين ليس لهم اسم إلا السنة)، فليس لهم اسم غيره يتميزون به عن سائر المسلمين، وهذه الميزة لا توجد في أي طائفة من الطوائف ولا في أي فرقة مطلقاً؛ فإن غير أهل السنة ينتسبون إلى غير السنة، أما أهل السنة فإن انتماءهم رباني، قال الله تعالى: ((وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ))[آل عمران:79]، فهم ربانيون ينتسبون إلى الإسلام، والإسلام هو لله، فهذا الانتماء الرباني استسلام لرب العالمين، وكذلك التسمية التي سماهم بها الله سبحانه وتعالى: ((هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا))[الحج:78]، فإذا سئل الإنسان عن انتسابه، قال: أنا مسلم، فإذا قيل له: من أي المسلمين؟ قال: من أهل السنة، وليس لـأهل السنة اسم إلا أهل السنة.
    وأهل البدع يُسمون أهل السنة بالوهابية، أو التيمية، أو الحشوية، وهذا ليس بحجة عليهم؛ لأنه ليس أحد من أهل السنة يقول: أنا وهابي، أو أنه ينتسب إلى الوهابية، ولا يرضى أن يقال له أنه حشوي أو مجسم أو مشبه، فهذا نبز نبزهم به أعداؤهم ولقبوهم به، أما هم فلا يسمون أنفسهم إلا أهل السنة، ولا يعني ذلك أن أهل السنة لا يصفون أنفسهم بغير ذلك من الأوصاف غير العلمية، فلو أن بعض أهل السنة في بلد سموا أنفسهم مثلاً: أهل الحق، أو أهل الدعوة، أو أهل الإيمان، أو أنصار السنة مثلاً، أو سموا نسبة لإقليم من الأقاليم مثل أهل الشام، أو غير ذلك؛ فهذه الأوصاف لا غضاضة فيها، إنما الذي لا يفعله أهل السنة هو أن يجعلوا لأنفسهم علماً يعرفون به غير السنة؛ يوالون عليه ويعادون عليه، ويعتبرون كل من كان خارجاً عنه ليس على الحق، فهذا لا يوجد إلا عند أهل البدع، كما يقولون في المثل الشعبي: (كل شيخ له طريقة)، فإذا تناقشت مع أحدهم في قضية من قضايا الدنيا يقول: (كل شيخ له طريقة) يعني: أنت لك رأيك وأنا لي رأيي.
    والواقع أن أهل البدع فرَّقوا الدين، وفرَّقوا الأمة، حتى صار كل شيخ له طريقة، فإذا أخبرت أحدهم أنك صوفي فلابد أن تبين من أي الفرق أنت، أقادري أنت أو تيجاني أو نقشبندي؟ فإن موالاته ومعاداته لك ليست واضحة حتى تحدد طريقتك! فإن كنت على طريقته فأهلاً وسهلاً، وإن كنت على غير طريقته، قال لك: لست منك ولست مني..
    فانتماء أهل السنة والجماعة إلى الإسلام والسنة من أعظم ما يميزهم عن غيرهم.
  6. حرص أهل السنة على جمع كلمة المسلمين

    إن أهل السنة والجماعة هم أحرص الفرق على جمع كلمة المسلمين، ولا توجد فرقة أو طائفة تحرص على جمع كلمة المسلمين كـأهل السنة والجماعة ؛ لأنهم هم الذين ينتمون هذا الانتماء، ويسمون بهذا الاسم العام الواضح، فكل مسلم هو منهم ومعهم ما دام على طاعة الله، حتى تظهر منه بدعة تخرجه عن دائرة أهل السنة، فلا يستطيع شيعي أن يقول: إن فلاناً شيعي؛ إلا إذا تأكد لديه أنه شيعي، أو أظهر أنه شيعي، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن هؤلاء الناس معتزلة؛ إلا إذا تأكد، أو أظهروا أو كتبوا أو قالوا: إننا معتزلة مثلاً، لكن عند أهل السنة أن كل من كان على الإسلام وعلى الحق، فهو من أهل السنة، حتى يظهر خلاف ذلك، فهؤلاء على الأصل الذي عليه المسلمون جميعاً، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا كلهم كذلك، فلم يكن فيهم خارجي ولا صوفي ولا شيعي، وكانوا يسمون بالمسلمين، ثم لما حدثت الفتنة وافترقت الأمة، ظهرت هذه الأسماء، فإذا قيل: الشيعة؛ عرف أنهم شيء خارج عن هذا الكيان الذي هو مسمى أهل السنة والجماعة، وإذا قيل: الخوارج؛ عرف أنهم جزء خارج عن هذا الكيان.. وهكذا.
    فـأهل السنة هم أحرص الناس على جمع كلمة المسلمين؛ لأنهم لا يدعون إلا إلى الكتاب والسنة، فإذا قال المسلم: طريقتي كذا، ومذهبي كذا، وسألته عن طريقته ومذهبه: من أين أخذها؟ فسيجيب: من الكتاب والسنة -بغض النظر هل هو صادق أم كاذب- فأياً كان مذهبه أو طريقته، فنحن ندعوه إلى ما هو مقر بأنه الأصل، وهو الكتاب والسنة، إذاً: الفرقة التي تحرص على جمع كلمة المسلمين وعلى توحيد صفوفهم جميعاً هم أهل السنة ؛ لأنهم يدعون إلى ما يجتمع عليه جميع المسلمين على اختلاف طوائفهم وفرقهم.
    يجدر بنا التنبيه على قضية هامة، وهي: التفريق بين كلمة (الفِرَقَ)، وبين (التَفَرُّق)، فالتفرق والاختلاف دائرته أوسع من (الفِرَق) الاعتقادية المقصودة بـ (الاثنتين والسبعين)، فهذه فرق ضلال وبدعة، والتفرق قد يوجد بين أهل السنة -مع أننا منهيون عنه- وهذا التفرق والاختلاف غير الافتراق الذي هو أن ينتهج الإنسان شعبة من شعب الضلالة الاثنتين والسبعين. فالتفرق أهم من الافتراق، ولكي لا يحصل الشقاق والتفرق يجب أن نوحد دعوتنا بأن ندعو إلى اتباع الكتاب والسنة، وألا ندعو إلى مذهب إمام من الأئمة، فإن أتباع الأئمة الآخرين سيرفضون ذلك؛ لاعتقاد كل واحد أن إمامه على الحق دون غيره، فلن تتوحد الأمة إلا على الكتاب والسنة.
  7. الرد على من يزعم أن أهل السنة يفرقون المسلمين

    وإذا قيل: إن أهل السنة يفرقون المسلمين، لأننا نكون في بلد ما على طريقة من طرق الصوفية -مثلاً- وبدلاً من أن نحارب الاستعمار أو الشيوعية يأتينا أهل السنة فيقسمون الناس إلى سلفي وخلفي، وسني وبدعي، فيفرقوننا وقد كنا مجتمعين!!
    فالجواب: أنهم أصلاً كانوا مجانبين للطريق المستقيم، فدعاهم أهل السنة إلى الله، فمنهم من عاد إلى الطريق المستقيم، ومنهم من بقي مشاقاً له، فقد كانوا فرقة واحدة بعيدة عن الصراط المستقيم، فإذا دعاهم أهل السنة إلى الله واستجاب منهم من استجاب، فقد أصبح على الصراط المستقيم، وهذا لا يعد من التفريق، وإنما يعد من الفرقان، فإن الله سبحانه وتعالى سمى القرآن: فرقاناً، وسمى يوم بدر: يوم الفرقان، فالفرقان غير التفرق، وقد زعم كفار قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الآباء والأبناء، وقطع الأرحام، فهل يُقَرون على ذلك؟ لا يقرون عليه أبداً؛ فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً، وإنما كان فرقاناً، فمن آمن به صلى الله عليه وسلم انقطعت صلته بذلك الكافر، فانقطعت صلة أهل الإيمان والنور والخير عن أهل الشرك والضلال والشر، وقد أمره ربه عز وجل فقال: {وقاتل بمن أطاعك من عصاك}، وحصل ذلك يوم بدر، فالابن يقاتل أباه، والأب يقاتل ابنه، والأخ يقاتل أخاه، فهذا في الحقيقة فرقان، وليس تفريقاً ولا قطعاً للأرحام.
    بل إن الله سبحانه وتعالى قد ذم المشركين وعابهم لأنهم هم الذين يقطعون أرحامهم، ولو كانوا يصلون الرحم لما حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب، ولما اضطهدوا أصحابه حتى ألجئوهم إلى الهجرة إلى الحبشة وهم أبناؤهم وأرحامهم، وما نقموا منهم إلا أنهم قالوا: لا إله إلا الله، ووحدوا الله، وآمنوا به.
    فالذين يقطعون الرحم إنما هم المشركون، والذين يفرقون المسلمين هم الذين يمنعون الفرقان أن يكون في الأرض، ليتميز أهل الخير والحق والهدى عن أهل الشر والباطل والضلال.
    ولابد من الفرقان، حتى تستبين سبيل المجرمين، أما اجتماع الأمة على الباطل فإنه أضر شيء عليها، ولا يسمى ذلك اجتماعاً، وخير منه -بل الواجب- أن يكونوا جميعاً من أهل الحق، فإن لم يكن ذلك -وهذا هو الواقع، وهو سنة من سنن الله عز وجل- فالافتراق لابد أن يكون بين أهل الحق وأهل الباطل.
  8. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ومن مميزات أهل السنة في جميع العصور: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فلا يمكن أن يوجد عالم من علماء أهل السنة لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، أو لا يدعو إلى الله، وإذا كان هناك عالم لا يحرص على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك دليل على أن في تمسكه بالسنة أو ادعائه لها خللاً ونقصاً، وفيه تهمة، ولا يوجد هذا أبداً؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أمر الله به وشرعه، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108]، فكيف يكون من أهل السنةأهل السنة هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم -من لا يدعو إلى الله؟!
    يرى بعض أهل السنة أن الدعوة إلى الله تكون بتعليم العلم ونشره، وبالتأليف، ويرى بعضهم أن الدعوة إلى الله تكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنزول إلى ميدان الدعوة مباشرة، فهذا شيء تختلف فيه الاجتهادات، لكن لا يوجد -ولن يوجد أبداً- عالم من علماء السنة إلا وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، ويحرص على إقامة الدين.
    أما أهل البدع؛ فيوجد فيهم من يكون لديه من العلم ومن المؤلفات المجلدات الضخام، وهو يرى المنكر ويقره في بيته، وفي من حوله، وفي أقرب الناس إليه، ولا يفعل شيئاً لإنكار ذلك والعياذ بالله! وهذا دليل على فساد اعتقاده، وعلى أنه لا يمثل المنهج الصحيح السوي الذي عليه أهل السنة والجماعة .