حكم الأغاني وأشرطة الفيديو
السؤال: هذا سائل يتكلم عن أمر ظهر وانتشر في المنطقة هنا وهو يوجد محلات الفيديو والتسجيلات التي تبيع الأغاني، فيقول الأخ: ليتك تولي هذا الموضوع شيئاً من النصيحة، خصوصاً أن هؤلاء الأشخاص أهل خير؟
الجواب: الواقع -والحمد لله- أن المنطقة هنا منطقة خير وشرف، ولا يُظن فيهم -إن شاء الله- في الجملة إلا الخير، وإن أخطأ أو قصر أحدهم أو جهل فالعقلاء موجودون، وهم أكثر من الجهال، والمنكر ما يزال منكراً، والمعروف ما زال معروفاً في هذه المنطقة، مع هذه الأصالة والعادات الطيبة.
ولذلك نستحث ونستثير الهمم، للمحافظة على بقايا الأصالة فيها ألَّا تندرس مع هذه الحضارة الزائفة التي وفدت إلينا، ومن ذلك أن يوجد فيها محلات للفيديو أو للتسجيلات التي تبيع الأغاني، والتجارة في الحرام حرام.
وقد حرَّم الله -تبارك وتعالى- الغناء والمعازف، كما قال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ))[لقمان:6]، وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وفي رواية أن ابن عباس أقسم أيضاً- بالذي لا إله إلا هو إنه الغناء! مع ما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.
وقد جمعها على سبيل المثال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان، منها الصحيح المتفق على صحته عند علماء الجرح والتعديل، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، ولكن يجبر بعضه بعضاً، ومنها ما هو من كلام السلف الصالح.
فالحقيقة أن حرمة الغناء -ولا سيما الغناء المعروف الذي نتكلم عنه الآن وهو ما يقترن بالموسيقى والمعازف- معلومة لكل من فقهه الله تعالى في الدين، وأنه منكر يجب على الجميع التعاون على إنكاره.
وأما الفيديو فمصيبة أعظم، لأنه يجمع إلى العزف والغناء تلك الصور المحرمة، وما يعرض فيه مما يقسي القلب ومما يزيد الغافل غفلة، بل ربما أنه بسبب مشاهدته يَغوَى وينحرف الشاب المستقيم، فكيف بمن كان من الغاوين من أصله؟! ونعني به الفيديو المعروف.
لا يأتي إنسان ويقول: أنا أعرض شيئاً فيه خير! إنما المقصود ما هو معروف الآن ومنتشر، وأنظف ما فيه أشياء رياضية لا خير فيها، من المصارعات وما يتعلق بها، ومع ما يظهر فيها من كشف للعورات، ففيها إضاعة للأوقات، وفيها استنزاف للطاقة البشرية؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أودع في كل إنسان منا طاقات معينة، قد تكتشف وقد لا تكتشف!
بعض الناس ربما يكون شاعراً وهو لا يدري، يمكن أن يكون عالماً أو فقيهاً ولكن طاقته في ذلك لم تستكشف؛ فبعض السلف عاش عشرين إلى ثلاثين سنة، وهو لم يقرأ ولم يتعلم، ولكنه في جوهره عالم، فلمَّا تفقَّه وتعلَّم أصبح عالماً!
فهناك طاقات تكتشف؛ ولذلك المجرمون من أهل الشرق والغرب يحاولون أن يأتوا بحفلات في أي وقت، فيكتشفون -كما يقولون- المواهب، فهذا الشاب يصلح مطرب، وهذه الفتاة تصلح ممثلة.
فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أودع في النفس البشرية طاقات ومواهب، وكل واحد مِّنا مهما عمل ومهما نشط، فلن ينشط بكامل طاقته، وهذا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأكثر الناس اجتهاداً في العلم، في طاقته استيعاب أكثر مما اجتهد، وأكثر الناس من الإنتاج في العمل اليدوي، في طاقتهم أن يحرزوا أكثر مما يعملون.. وهكذا.
هذه الطاقات تستنـزف عن طريق الفيديو أو التلفزيون، طاقة النظر، والفكر، والسمع، كلها تستنـزف بشكل رهيب جداً مثلما تأتي على أية فاكهة ناضجة جميلة طيبة لذيذة في غاية الرواء، فتعصر وتستنـزف منها هذه العصارة وهذه الخلاصة.
فوجود الناس أمام هذه الملاهي لا شك أنه خطر على طاقاتهم وعلى حواسهم، حتى لو كان ما يعرض كله على سبيل المباح، أو ما يسمونه الترفيه البريء.
الغربيون الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ونحن لا نستشهد بكلامهم لأنهم ليسوا حجة، فعندنا كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن لإعجاب القائمين على هذه الوسائل بهم، ولإقتدائهم بهم نذكر أقوالهم:
عندما أجروا دراسات على التلفزيون والفيديو وجدوا أنها من أضر الأشياء، لأنها تجعل الأمة أمة متلقية، وليست أمة متفاعلة معطية منتجة، لأن أكثر الناس -كما في الإحصائيات- يجلسون أمام التلفزيون مدة تكاد تكون ضعف ما يجلسون في مقاعد الدراسة، وهم أمام التلفزيون يتلقون ولا يشاركون.
فأنت -مثلاً- مع المدرس تشترك، الطفل مع أبيه في مشاركة وفي أخذ وعطاء، لكن أمام هذا الجهاز لا توجد أية مشاركة، كله تلقٍ فقط، وذلك الجهاز هو الذي يتكلم.
حتى أن الدراسات في أوروبا ذكرت أن التلفزيون من أسباب الضعف اللغوي؛ لأن الناس لم يتعودوا الكلام، وكذلك ضعف التفاعل عند الأطفال؛ لأنهم لم يتعودوا التفاعل بسبب قعودهم أمام التلفاز يسمون ويرون ما يعرض فقط، فالذي يتحكم في الطاقات العقلية للأمة بأجمعها هو الجهاز القائم لبث هذه الوسائل الإعلامية.
ومن هنا كان من يريد أن يقبض على أي بلد، يقبض على الإعلام، واليهود لما أرادوا أن يسيطروا على أمريكا وعلى أوروبا سيطروا على الإعلام، فسيطروا عليه بالكامل، يحجبون أي شيء إسلامي أو أي شيء ضد اليهود، ويعممون ما كان لهم.
ومن هنا نقول: إن انتشار هذه الملاهي إن كان لمجرد الترفيه، ففيه من المخاطر ما فيه، فكيف إذا اشتمل على المحرم؟!
وإذا اشتمل على ما فيه معصية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكيف وكل واحد منا يقول: ((إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ))[الأنعام:15]؟!
فكيف وكل واحد منا يقرأ قول الله سبحانه: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))[الإسراء:36]؟!
وما لا يرضاه الغربيون والكفار لأنفسهم وهم الذين ينتجون هذا اللهو لا يجوز أن نرضاه نحن أمة الإيمان والقرآن لأنفسنا.
وفي سبيل القضاء على مثل هذه الظاهرة يجب علينا ما يأتي:
أولاً: على المسئولين القائمين على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجهات التعليمية وفي أية جهة مسئولة أن يحاولوا وأن يبذلوا جهدهم للقضاء على هذا الفساد.
ثانياً: الواجب على الآباء أن يحفظوا بيوتهم من هذا الفساد، وكذلك يجب على المدرسين والمربين حفظ طلابهم من هذا الفساد، ويجب على الأمهات حفظ أبنائهم وبناتهم من هذا الفساد وهكذا، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}، وبقدر ما عليك من مسئولية تكون مؤاخذتك بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فإذا تعاونا على ذلك، قلبنا هذه الأشياء من بيع للغناء والفساد، إلى أداة خير وإنتاج وتسجيلات نافعة إسلامية والحمد لله.
فالتسجيلات خاصة بالإمكان أن تكون تسجيلات إسلامية، وأنا أعلم أنه قد يقول البعض: يُمنع التحويل من تسجيلات غناء إلى تسجيلات إسلامية أو إنه صعب، قد لا يكون ممنوعاً بنص قرار لكنه صعب.
نقول: حتى لا يسأل أحد أو يقول: إننا أحلنا إلى حل غير عملي.
نقول: إننا نحن الذين جعلناه أو غيره من الأشياء التي تخدم الدعوة صعباً؛ لأن أهل الشر والفجور والمعاصي تعاونوا وتقووا بتعاونهم، وهم الذين يخذلهم الله سبحانه، ولا يجمع الله شملهم، وهم الذين بعضهم لبعض عدو في الدنيا والآخرة، لكن إذا تعاونوا على شيء جعلوه واقعاً، وأصبح الذي يطالب بضده مطالباً بخلاف الواقع! أما نحن فقد تخاذلنا وتفرقنا.
ألا يستطيع الواحد منا أن يرفع سماعة الهاتف، ويتصل بالجريدة الفلانية، ويقول: لماذا تنشرون هذه الصور؟! أو يتصل بالتلفزيون ويقول: لماذا نشرتم هذا المسلسل أو هذه الفكرة الليلة؟! أو يكتب خمسة أسطر أو عشرة أسطر، كرسالة إلى مسئول أو كمقال إلى صحيفة؟ أو يطالب التسجيلات وغيرها؟! لو فعلنا ذلك لوجدنا الاستجابة بإذن الله.
لكن عندما يكون أهل الشر هم المتعاونين مع بعضهم، يكون صوتهم هو الأقوى خاصةً مع تمكنهم من هذه الأجهزة ومن هذه الوسائل، ويجب أن نسعى ليكون لنا صوت يسمع لقال الله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نخاف من أي شيء.
أما إذا قلنا غير قال الله وقال رسوله، فإننا نستحق العقاب والخوف.
أما ما دمنا نطالب بالحق، فيجب أن يكون التغيير من تسجيلات أغاني إلى تسجيلات إسلامية والذي ينال التشجيع، بل يحرم أصلاً أن تعطى تصاريح للتسجيلات التي تبيع الأغاني، فكيف يصل الحال إلى أنه يمنع تبديلها إلى تسجيلات إسلامية؟! هذا شيء لا يجوز، ووجوده دليل على ضعف أهل الخير.
أنا الآن لا أتكلم عن أولئك، وإنما يهمني أنتم، فضعفنا وهواننا عليهم جعلهم يأتون بمثل هذا القرار رغم أنوفنا ونحن ساكتون، ولو قمنا بالحكمة وبالأسلوب الحسن والإنكار بطريقة محكمة جيدة، وأشعنا الخير، وأشعنا معرفة الحلال والحرام في الأمة، لقضي على هذا وعلى غيره من المنكرات، فالأمر عام وليس خاصاً بهذه الطريقة.