المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[فإن قيل: فهل كَانَ يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟
فهذا سؤال فاسد! وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب. والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.
فإن قيل: فإذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم، فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه، أم هي مسخوطة من جميع الوجوه؟ قيل: هذا السؤال يرد عَلَى وجهين: أحدهما: من جهة الرب تعالى، وهل يكون محباً لها من جهة إفضائها إِلَى محبوبه، وإن كَانَ يبغضها لذاتها؟ والثاني: من جهة العبد، وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضا؟؟ فهذا سؤال له شأن.
فاعلم أن الشر كله يرجع إِلَى العدم، أعني عدم الخير وأسبابه المفضية إليه، وهو من هذه الجهة شر، وأما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه، مثاله: أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة، وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها، فإنها خلقت في الأصل متحركة، فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به، وإن تركت تحركت بطبعها إِلَى خلافه. وحركتها من حيث هي حركة: خير، وإنما تكون شراً بالإضافة، لا من حيث هي حركة، والشر كله ظلم، وهو وضع الشيء في غير محله، فلو وضع في موضعه لم يكن شراً، فعلم أن جهة الشر فيه نسبية إضافية] اهـ.

الشرح:
بعد أن بين المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ الأمثلة والحكم الكثيرة في وجود الخير والشر، وما تضمنه الخير والشر من المصالح العظيمة أورد سؤالاً قد أثاره أهل البدع والقدرية من قبل.
وهذا السؤال هو أن يقَالَ: فهل كَانَ يمكن وجود تلك الحكم بدون تلك الأسباب، أي: قد يقول قائل: هناك حكم من الشر وهناك حكم من وجود سبب الشر وهو إبليس، لكن ألا يمكن أن توجد الحكم مع عدم وجود الأسباب؟ هذا من الناحية العقلية سؤال يرد، فأجاب المُصنِّفُ عنه فقَالَ: [هذا سؤل فاسد! لأنه فرض وجود الملزوم بدون لازمه-أي- كفرض وجود الابن من غير الأب] ووجود الأبناء أمر محبوب ومراد ومطلوب، فلو أتاك رجل فقَالَ: ألا يمكن وجود ابن من غير أب أو من غير زواج؟ فإنك تقول له: هذا السؤال فاسد؛ لأن حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اقتضت أن ترتب هذه الأسباب وتكون النتائج تبعاً لتلك الأسباب، فهذا نتيجة ذلك، فسؤالك عن وجود النتائج مع عدم الأسباب هذا سؤال فاسد لا يقبل.
إذاً فالسؤال: ألا يمكن أن تقع الحكم التي أرادها الله من وجود الشر مع عدم وجود الشر، هذا أيضاً سؤال فاسد ولا يرد، لأن هذه الحكم لا توجد ولم توجد إلا مرتبطة بوجود ذلك السبب الذي نتجت منه، وكذلك [وجود الحركة بدون متحرك] نفس الشيء، فقد اقتضت حكمة الله أنه لا يمكن أن توجد حركة إلا بوجود متحرك، [ولا توبة إلا بوجود تائب] هذا هو المقصود بكلام المُصنِّفُ هذا
.
  1. إذا كانت أقدار الشر لحكمة فهل يحبها الله من وجه ؟