المادة    
نحن لا نستغني عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فخير الله إلينا نازل، كل حين يمدنا بالنعم وبالعافية، وبهذه الحواس التي أعطانا الله إياها من سمع وبصر وفكر وأجساد وقلوب وأموال كل ذلك من نعم الله، وسخر لنا هذه الدنيا وهذا الكون وهذه الكواكب، وجعل الشمس والقمر دائبين لأجل هذا الإِنسَان وليعرف المواقيت والزمان، وليكون لديه نصف العمر ضياءاً، فيكدح ويعمل وينصب، والنصف الآخر هدوءً وراحةً.
وهذا الماء العجيب الذي لا يمكن للحياة أن تكون بغيره كيف أنزله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وكيف جعله نوعين عذب فرات، وملح أجاج، وهذا فيه من العجائب وهذا فيه من الفوائد وغير ذلك، وكل هذا من عظيم نعم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فخير الله إلينا نازل، ولكن شرورنا وذنوبنا وسيئات أعمالنا إليه صاعدة، تصعد بها الملائكة كل يوم، وهو تَبَارَكَ وَتَعَالَى يتحبب إلينا بالنعم، ولكننا نتبغض إليه بالمعاصي نعوذ بالله، فإن العبد إذا عصى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فقد باعد بينه وبين ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الصلة فتضعف حتى تنقطع.
ومع ذلك يتحبب إليه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالنعم ويستر عليه، حتى إذا فعل الذنب وراء الذنب والله تَعَالَى يستره عليه، ويذكره ولا يوجد مذنب يفعل ذنباً إلا ويقول الآن سلمت، إذاً لماذا لا أتوب؟ يذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن داعي الخير في نفسه موجود، وقد جعله الله تَعَالَى في قلب كل مؤمن عرف الله وآمن به، فنعمة الرزق رغم الاستمرار في المعصية موجودة ونعمة الفؤاد موجودة ولم يحجبها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه، ومع ذلك يلح الإِنسَان ويصر إلا أن يستخدم هذه النعم في معصية المنعم الذي أعطاه إياها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالإِنسَان ظلوم كفار وهذا شأنه، ولكن في الحقيقة هل العبد يظلم ربه: ((وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))[البقرة:57] هذا التمادي إنما هو عليك أيها العبد الفقير المسكين المحتاج إِلَى ربك وإذا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ يتعجب كثير من النَّاس.

قال الله تعالى: ((وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)) [الزمر:47] فماذا تتوقعون أن يرى الكافر، وكذلك المسلم العاصي؟ كَانَ بعض السلف إذا قرأ هذه الآية يبكي: ((وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ))، لأن الإِنسَان لا يدري ما حاله عند الله، كيف إذا جيء بالثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النَّار نسأل الله العفو والعافية، يؤتى بالقارئ أو العالم فَيَقُولُ: قد قرأت القرآن، وتعلمت العلم، وتفقهت في الدين، من أجلك يارب، فيُقَالُ له: كذبت، إنما تعلمت ليقال قارئ أو عالم، وقد قيل، اذهبوا به إِلَى النَّار نسأل الله العفو والعافية، كَانَ يرى أنه عَلَى خير، وعلى حسنات، وإذا بتلك الأكوام من الحسنات تذهب وتمضي، وكذلك الجواد الكريم المرائي، وكذلك المجاهد المرائي.
كذلك الذي يظلم عباد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ويغشهم ويفتري عليهم ويغتابهم ويضربهم ويؤذيهم هَؤُلاءِ يأتون بحسنات كالجبال، ولكن يأتي أحدهم وقد ضرب هذا، وظلم هذا، وسفك دم هذا، وغصب مال هذا، فماذا تكون النتيجة إذا طالب أهل الحقوق بحقوقهم؟ يأخذ من حسناته فتعطى لهم، ففي الآخرة لا درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات فيؤخذ من حسناته فيعطى لأولئك الغرماء، وإذا لم تكفِ يؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه فيطرح في النَّار نسأل الله العفو والعافية، إذاً هذا يوجب من العبد كمال التيقظ ودوام التذكر والتدبر، فالعبد إذا عرف بالعقل أن له رباً أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكر وتدبر، ازداد يقينا وتوحيداً، والله الموفق، لا رب غيره، ولا إله سواه.
  1. دعوة إلى التفكر في الأنفس والآفاق

  2. اعرف نفسك تعرف ربك

  3. العبودية عبوديتان