المادة    
التوحيد أمر مركوز في الفطر لا يحتاج إِلَى استدلال، وإنما يحتاج إِلَى أن يتذكر ويستظهر، ولذلك ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى دلائل الربوبية العظمى في القُرْآن مربوطة بالنظر في ملكوت السموات والأرض والتأمل في الأنفس والآفاق.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[ومحال توهم عمل الطبائع فيها لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك، وانتقال هذه النطفة من حال إِلَى حال، علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إِلَى توحيد الإلهية.
فإنه إذا علم بالعقل أن له رباً أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكر وتدبر، ازداد يقيناً وتوحيداً، والله الموفق، لا رب غيره، ولا إله سواه] إهـ.

الشرح:
تعرض المُصنِّفُ لشبهة كانت تثار قديماً وحديثاً وهي القول بأن الطبيعة هي التي تخلق، فتسند أفعال الربوبية إِلَى الطبيعة، فيُقَالُ: الطبيعة خَلَقت، والطبيعة أَوجدَت، والطبيعة أَعطَت، إِلَى آخر ما تقرأونه وتسمعونه، فينسبون أفعال الربوبية إِلَى الطبيعة.
والمصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ذكر هذا هنا -وذكره من قبله من العلماء- لأن التأليه للطبيعة أو نسبة الربوبية لها كانت معروفة عند اليونان، فهم أول من أطلق هذه الكلمة وأله الطبيعة، واليونان أمة جاهلية وثنية، وأول نظرية ظهرت واصطدمت بهذا هي نظرية جاليليو، ونظرية كوبرنيق التي حولت أنظار النَّاس إِلَى أن الأرض ليست هي مركز الكون كما قال كوبرنيق: إن الأرض ليست مركز المجموعة الشمسية أو الكون، وإنما الأرض تابع للشمس، ومعها ظهرت نظرية جوردا نوبرونو وأمثالهم.
فقام البابوات فأحرقوا هَؤُلاءِ، وأما كوبرنيق فكان له رتبة من رتب الكنيسة فسلم من الأذى، وأما جاليلو فقد عذب وسجن، فكانت هذه المعركة سبباً في أن هرب من الكنيسة هَؤُلاءِ الذين يريدون أن يتخذوا طريقة للعلم والبحث والفكر والعقل، وفي ذلك الوقت لم تكن الطبيعة تسمى إلهاً، وإنما بعد ذلك بزمن، وبالذات لما ظهرت نظرية نيوتن في الجاذبية، قالت النظرية: "إن هذا الكون متماسك بشكل ميكانيكي" أي كل مجموعة وكل جرم من أجرامه متماسك مع الآخر حسب قوانين الجاذبية، فهو بهذه الطريقة يتحرك ويدور تلقائياً وفق هذا القانون الذي اكتشفه نيوتن.
  1. صراع بين الكنيسة والعلم والعلماء

  2. بطلان نظرية المصادفة في الكون

  3. استحالة عمل الطبائع في النطفة