المادة    
إن علاقة الميثاق بالعقيدة هي:
أولاً: من جهة الفطرة، ففي سورة الأعراف يقول الله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)) [الأعراف:172] هذا عَلَى قراءة، وعلى قراءة أخرى سبعية ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ)) بالجمع ونحن نقرأ عَلَى القراءة الأولى وهي ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ))[الأعراف:172، 173].
  1. دليل الفطرة

    آية الميثاق ذكرها الله في كتابه، وقرأها السلف الصالح والجميع عَلَى اختلافهم يقولون: هل كَانَ ذلك استخراجاً حقيقياً أو أنها مجرد الفطرة؟ وكلا القولين يؤدي إِلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أخذ إقرار بني آدم عَلَى التوحيد وفطرهم عليه، هذا من جهة.
    ومن جهة أخرى أن كل إنسان يعرف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالفطرة، وأنه قد بين ذلك وفصله وخلقهم عليه وقد أطال السلف في هذه المسألة، وممن أطال فيها أيضاً: شيخ الإسلام ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله تعالى في كتابه - العظيم المشهور الكبير - درء تعارض العقل والنقل، حيث سرد الأقوال التي ذكرت فيها، والترجيح في ذلك، والرد عَلَى الفرقِ والمذاهب المخالفة.
    ومعنى دليل الفطرة هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {ما من مولود إلاّ يولد عَلَى الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} في روايات كثيرة ذكرها الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ورواها غيره.
    لكن الإمام مسلم رَحِمَهُ اللَّهُ فصل الروايات وذكرها عَلَى نسق، {كل مولود يولد عَلَى الفطرة} وفي رواية {عَلَى الملة} وفي رواية: {ما من مولود إلاّ يولد عَلَى هذه الملة} والأدلة قطعية ونصية عَلَى أن الإِنسَان مخلوق ومفطور عَلَى ملة الإسلام.
  2. الأصل في الإنسان أن يولد على فطرة الإسلام

    إن كل إنسان في أي بيئة وجد فيها يولد عَلَى الإسلام الذي بعث به الرسل، وبيَّن ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضرب لأصحابه ما كانت تفعله العرب، كانوا إذا أنتجت الدابة من الإبل أو البقر أو الغنم يقطعون أذنها أو يَسِمُونها بعلامات -كما هو معروف إِلَى الآن- وهذه العلامات تبين انتماء هذه الدابة لصاحبها، لكن التي تولد ولا تكون عليها علامة أبداً، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء هل ترون فيها من جدعاء} فكل مولود يولد عَلَى هذه الملةِ، كالصفحة البيضاء النقية التي لو تركت وحدها لما عرفت إلاّ توحيد الله ولم تنحرف عنه إِلَى الشرك، لكن يأتي من يجعل لها انتماء إِلَى أي دين، أو إِلَى أي ملة.
    فالتربية أو المجتمع يهودان أو ينصران أو يمجسان، أو عَلَى أي مذهب من المذاهب، لكن هذا لا يلغي الحقيقة، لأنها حقيقة أزلية أخبر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنها بقوله: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم))[الروم:30] هذا هو الدين القيم، ولا يستطيع أحد أن يبدله ولا يمكن أبداً أن يولد مولود إلاّ عَلَى هذا الدين القويم، ولكن حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن جعل النفس البشرية تتأثر وتقبل التغيير.

    ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله تَعَالَى في مسألة أطفال الْمُشْرِكِينَ إذا ماتوا، هل يكونون من أصحاب الجنة أم لا؟ وهل يمتحنون أم لا؟ عَلَى أقوال معروفة ليس هذا مجالها، إنما المقصود أن هَؤُلاءِ الأطفال يولدون عَلَى الإسلام، وأن الذي يصرفهم عن ذلك هي التربية أو المجتمع من الأحبار، أو الرهبان، أو الكهان، أو ما أشبه ذلك من الصوارف.
  3. حكم الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام

    ورد في الغلام الذي قتله الخضر عَلَيْهِ السَّلام كما قال له موسى: ((أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس)) [الكهف:74] أنه كَانَ قد طبع كافراً مخالفاً لبقية النَّاس، وأن له حكماً خاصاً، وهو أنه خلق كافراً، ولهذا كَانَ حكمه مخالفاً ومغايراً لحكم سائر الناس، فإنهم يدعون فإن أسلموا وإلاّ قتلوا.
    فالمقصود أنه لا خلاف بين المسلمين في أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد فطر النَّاس وغرس في أذهانهم الدلائل والبراهين عَلَى معرفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والاتجاه إليه وحده لا إِلَى أحد سواه.