[قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[وقوله: [ومن سمعه وقال إنه كلام البشر فقد كفر] لا شك في تكفير من أنكر أن القُرْآن كلام الله؛ بل قَالَ: إنه كلام مُحَمَّد أو غيره من الخلق، ملكاً كَانَ أو بشراً.
وأما إذا أقر أنه كلام الله ثُمَّ أوَّل وحَرَّف فقد وافق قول من قَالَ: ((إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)) في بعض ما به كفر، وأولئك الذين استزلهم الشيطان وسيأتي الكلام عليه عند قول الشيخ: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله] إن شاء الله تَعَالَى] إهـ.
الشرح:-
كلام المُصنِّفُ هنا عَلَى من قَالَ: إن القُرْآن من كلام البشر، وقائلُ هذا الكلام عَلَى أحدِ أمرين: إما أن يكونَ مُرادُه أنَّ هذا القُرْآن لم ينزل من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وإنما افتراه بشر، كما قاله المُشْرِكُونَ للنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ))[يونس:38] وَقَالُوا: إنما يعلمه بعض الأعجميين،((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا))[الفرقان:5] إِلَى آخر ما قاله المُشْرِكُونَ الجاحدون.
والقصد أن من جحد أن الله عَزَّ وَجَلَّ أنزل القرآن، وأنزل الذكر الحكيم، وأن هذا القُرْآن الذي بين أيدينا من كلام غير الله ابتداءً وتبليغاً، فقد أتى بالكفر الصُرَاحِ الذي لا شك فيه، وبهذا نزلت الآيات ونطقت السنّة، ولا خلاف في ذلك بين الْمُسْلِمِينَ جميعاً. أهل السنة أو المعتزلة أو الأشاعرة أو غيرهم.
وإما أن يكون مُرادُه: أنَّ القُرْآن ليس كلام الله عَلَى التأويل الذي مر معنا: تأويل
المعتزلة أو تأويل
الأشعرية، فيقولون: هو حكايةٌ عن كلام الله، أو عبارةٌ عن كلام الله، أو بعبارة أخرى هو كلام الله بالمعنى، لكن النظم نظم جبريل أو نظم مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أشبه ذلك وهَؤُلاءِ هم
المؤولة.
وهنا قاعدة: وهي أن كل من ردَّ شيئاً من الدين، أو ما ثبت في السنة الصحيحة، أو رد شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، أو أمراً معلوماً من الدين بالضرورة عَلَى سبيل الجحود والنكران، فهذا كافر خارج عن الملة.
وأما من رده عَلَى سبيل التأويل، أو لديه اجتهادات خاطئة أوقعته في هذه البدعة وهذا الضلال والانحراف، دون أن يكون قصدُه في نفسه مُعَاندَةُ شرعِ الله أو جحوده؛ فهذا في الجملة لا يَكفر، وإنما يكون مبتدعاً ضالاً منحرفاً، ثُمَّ بعد ذلك تختلف المقالات ويختلف الأفراد فيما بينهم وبين الله عَزَّ وَجَلَّ، فقد يكون منهم من هو كافر في الحقيقة أو زنديق، ولكن يتلبس بأنه لم يجحد ولم ينكر، فالذين يتأولون -كما هو حال الذين قالوا: إن القُرْآن ليس كلام الله بل هو حكاية أو عبارة أو مجاز ونحو ذلك- لا يخرجون من الملة ولا يكفرون كفراً ينقلهم من الإسلام إِلَى الكفر وإنما هم أهل ضلال وابتداع وانحراف، وتفصيل الكلام في هذه المسألة -مسألة متى يكفر المؤولون ومتى لا يكفرون؟ وهل أصحاب البدع يكَّفرون بإطلاق؟- يأتي إن شاء الله في آخر هذه العقيدة عند قوله: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله]، وإنما المراد هنا ما يتعلق بقضية الكلام فقط.