المادة    
السؤال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: {قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أسمع منك أحاديث كثيرة فلا أحفظها, فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابسط رداءك، فبسطت ردائي, فضمه ضمة, ثم قال: خذه فأخذته, فلم أنسَ شيئاً بعد ذلك}. فكيف يستدل به أهل الباطن إن كان لهم وجه استدلال, وكيف نرد عليهم؟
الجواب: لعل الأخ وَهِمَ، فحديث أبي هريرة, الذي يستدل به الباطنية هو قول أبي هريرة رضي الله عنه: [[وعيت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعائين من العلم, أما أحدهما فبثثته, وأما الآخر فلو بثثته لقطع ما بين هاتين]].
قالوا: إذاً أبا هريرة عنده علم باطن وأخفاه, كما زعموا في علي رضي الله تعالى عنه, أولاً: نقول: ما معنى هذا الحديث؟
معنى الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكتم حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحكام لأنها أحكام , وأن ما لم يبثه فهو أخبار الفتن, أن فلاناً سيكون كذا, وفلان سيقتل فلاناً, ما يحدث من الفتن التي أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها ستقع بعده, كما أخبر حذيفة رضي الله عنه -مثلاً- بأسماء المنافقين دون أن يخبر غيره, فـأبي هريرة رضي الله عنه لم يبث ذلك؛ لأنه لا حاجة ولا مصلحة للمسلمين في أن يبث ذلك، لأنه من أخبار الفتن, وهي سوف تقع, وأما الأحكام فإنه لم يكتمها ولم يكتم منها شيئاً.
وأما علي رضي الله عنه, فقولهم: إنه كتم شيئاً من العلم, أو أنه اختصه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم أولاً: أن في هذا طعن في نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يبعثه الله رحمةً للعالمين، ويأتي بهذه الأنانية -وحاشاه من ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول لأهل بيته: تعالوا أعطيكم أخباراً خاصةً, وعلماً خاصاً وكل شيء, وأنتم يا بقية الناس خذوا هذا العلم العام, فيختص أهل بيته بهذا العلم، سبحان الله!!
نحن الآن لو أن شخصاً منا حصل على ألف ريال، وقيل له: وزعها، فأعطى أهل بيته شيئاً, وأعطى الناس شيئاً لقلنا: إن هذا خائن، وهذا إنما في المتاع الزائل الفاني, فكيف يخون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال له: كتم شيئاً من الدين، واختص به أهل بيته فقط؛ لأنهم أهل قرابته, ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب الناس إليه عائشة، كما سأله عمرو بن العاص: {من أحب الناس إليك؟
قال: عائشة, قال: ومن الرجال: قال أبوها
}، {ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً}.
فهذا هو أحب الناس إليه, وهو رفيقه في الغار, وصاحبه، وإذا قيل: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالمتبادر أنه أبو بكر رضي الله عنه، ولم ينقل عنه ولم تنسب أي فرقة أنه اختصه بشيء, فما بالكم بغيره، ولو كان هناك شيء -فرضاً- لقدم عليه هذا الصاحب قبل القرابة, فهو أفضل عنده وأحب إليه من قرابته.
فالمقصود أن في ذلك تخوين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والأمر الثاني: أن السبئية أشاعوا ذلك في أيام علي رضي الله تعالى عنه, وصح عنه في حديث صحيح في صحيح البخاري وصحيح مسلم ورواه أحمد في المسند وغيره، أنه قال لما سئل: [[هل خصّكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم]] الذي هو العلم الباطن كما تزعم الصوفية والباطنية والروافض، فهم يتفقون على أن هناك علماً باطناً لـعلي، [[فيقول علي رضي الله عنه: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، ما خصّنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء إلا فهماً في كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فأخرج هذه الصحيفة فإذا فيها العقل, وفكاك الأسير, وألا يقتل مؤمن بكافر]]، أي: معاهدة عاهدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتبها, واحتفظ علي بهذه الورقة في قراب سيفه، والأحكام التي هي مكتوبة وواردة عن الصحابة, ومعروفة عند المسلمين، وبعض الروايات فيها زيادة.