ومن هذا المنطلق يذكر العلماء -كـ
ابن الجوزي وهو من أكثر من فصَّل عن
القرامطة- كيف تكونت
الباطنية، يقولون: كانت
الباطنية أول ما نشأت تحول الناس من شيعي إلى باطني، والعملية في حقيقتها بسيطة جداً خصوصاً إذا دققنا النظر فيها، يأتون إلى الشيعي فيقولون له: ما تقول في أصحاب محمد:
أبو بكر، و
عمر، و
عثمان والصحابة كلهم؟
فيقول: مرتدون كفار إلا
علي و
المقداد و
سلمان و
أبو ذر من أربعة إلى اثني عشر.
وقد ظهر من كلام
أبي الربيع الزهراني أن أول ما يدعون الإنسان إليه هو أن يكون شيعياً، وعندما يكون شيعياً قد دخل في التشيع، وعندئذٍ يريدون أن يرقوه ليكون باطنياً ليعتمدوا عليه أكثر، قالوا له: فما ظنك بـ
أبي بكر و
عمر قال: كذابون ومخرفون قالوا: هل تلعنهم؟
قال: ألعنهم، فيثقون به أكثر، فيقولون: ما رأيك في
علي؟
قال: مولانا وإمامنا. فيضحكون منه، كيف مولاك؟
قال: نعم، قالوا: ما رأيك في العلم الباطن وفي علم الغيب؟
قال: يعلم كل شيء وعنده العلم الباطن فيقولون له: إن كان يعلم هذا العلم كله لماذا لم يخبر عنه بكلمة واحدة؟
لماذا لم يخبر أحداً من الأتباع؟
ثم يقولون له: وما رأيك في شجاعة
علي؟
فيقول: أشجع الناس، وأعظم الناس، كما تقول
الشيعة، فيقولون: أين الشجاعة منه؟ فهذا
أبو بكر يأخذ الخلافة منه وهو ساكت، و
عمر يأخذ الخلافة وهو يسكت، و
عثمان يأخذها وهو ساكت، ويزوج ابنته
أم كلثوم لـ
عمر وهو ساكت، أين الشجاعة؟
فيقول: إذاً فما الحق؟
فيقولون: نقول لك ما هو الحق:
علي و
سلمان و
المقداد و
أبو ذر كلهم كفار -ما بقي إلا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: والأنبياء كلهم يأتون بعجائب، وغرائب لكي يضحكوا بها على الناس، ويقولون: هذه معجزات وبينات، فبهذه الطريقة يخرجونه نهائياً من الإسلام.
فيقول: إذاً ما الحق؟
قالوا: الحق فيما وضعه العلماء والحكماء و
الفلاسفة فيلقنونهم عقيدتهم التي -كما قلنا- تقول عن الله: لا نقول هو موجود ولا غير موجود، ولا يؤمنون بجنة ولا نار، ولا كذا ولا كذا، فيخرجونه بذلك عن حقيقة الدين، وهؤلاء الذين هم في النهاية يرقون ضمن درجات معينة ويبايعون، وهم الذين ينشرون هذا الدين، الذين تشبعوا بهذه الفكرة تماماً.
فبهذا نعرف العلاقة، لماذا كان
الرافضة من أسهل الأبواب إلى الوصول إلى
الباطنية؟
لأنه إذا صدق كلامهم في الصحابة وصدق أن القرآن محرف، وأنه غير موجود إلا في السرداب، وقالوا: لا، ليس في السرداب، بل القرآن مع الإمام المعصوم، أما الذي في السرداب فخرافة، فإذا اقتنع أن السرداب خرافة -وهو خرافة ولا بد أن يقتنع- ألزموه بالإلحاد، فإذا اقتنع بسب الصحابة كلهم ولم يبق إلا الأربعة قالوا: سب الأربعة وكفرهم كلهم، وتعال وادخل في ديننا.
فمن هذا الباب دخلوا
للصوفية أيضاً فيأتون إليه، ويقولون: أنت لماذا تذكر الله، لماذا تتعبد؟
فيقول: من أجل الفناء والاتحاد بالله، فأفنى في ذات الله، فيقولون له: فكيف تفنى في ذات الله وأنت لا تزال مثل هؤلاء العوام؟
تصلي نفس الصلاة، وتصوم نفس الصوم، ولا تترقى ولا تصل إلى درجة اليقين، وهم يعرفون أن غلاة
الصوفية يوقنون بأن الإنسان يصل إلى مرحلة اليقين، ويفسرون قوله تعالى: ((
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))[الحجر:99] أي: اعبد ربك حتى تستيقن، فإذا استيقنت فلا تعبد الله -والعياذ بالله- مع أن اليقين هو الموت كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح في وفاة
عثمان بن مظعون: {
أما عثمان فقد أتاه اليقين من ربه} فالمقصود أنهم يقولون له: جاءك اليقين، فإذا جاءك اليقين فلا صلاة ولا صيام ولا شيء، فيترك الصلاة والصيام، فيأتون إليه، ويقولون له: وهل صدقت أنك تحب الإله؟
وأنك قد وصلت إلى درجة اليقين؟
هؤلاء كذابون دجالون، كل أصحاب الطريقة كذابون دجالون يريدون البنات والصبيان، فيشككونه في دينه، وهو -فعلاً- يقبل الشك، فالعقيدة
الصوفية بالفعل قابلة للشك، والطعن عند أي عاقل من العقلاء.
فإذا ما وصلوا إلى هذه المرحلة، قال: وما الدين الحق إذن؟
بعد أن يشككوه كثيراً ويبدأ يفكر، قالوا: الدين الحق عندنا، واليقين والعلم لدينا، ثم يأخذونه، ونجد كما أن
الشيعة تقول: بأن العلم اللدني عند الإمام في السرداب وفي
الجفر و
الجامعة أو أنهم يتلقونه عن الإمام المعصوم، فإن
الصوفية تقول: إننا نتلقى عن الخضر، وجميع
الصوفية إذا قرأتم في حياتهم يقولون: قابلني الخضر ورأيت الخضر وقال لي وكلمني.
فإذن هذا مدخلهم ليتحول الإنسان من كونه صوفياً إلى أن يصبح باطنياً، يأتون إليه ويشككونه: أنت تصدق وتؤمن بالخضر، وأن هناك رجلاً من أيام موسى حي وإلى اليوم فيشككونه وهو شك صحيح، كيف يمكن هذا الكلام؟
قال: المشايخ يقولون هذا، فيقولون: المشايخ كلهم دجالون وكلهم كذابون -وهذا صحيح- فيبدأ يشك.
فيقول: إذاً كيف نعرف الدين الصحيح وكيف نعرف الحقيقة؟
وهو يعلم أن الحقيقة عند أئمة
الصوفية حيث أنهم يأخذون عن الخضر وعن رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة يقظة أو في المنام، فهم بيدءون يتحدثون معه عن شيء هو مسلم بمقدمته، وهو الاقتناع أن الشريعة لا تصلح لأنها ظاهرة فقط، فيقولون له: الخضر خرافة ودجل لا يمكن أن يصدق، فيشككونه حتى يشك في الخضر، فإذا شك قال: إذاً أين العقيدة الصحيحة؟
قالوا: العقيدة الصحيحة التي يؤيدها العقل والبراهين العقلية، هي في كتبنا كتاب
رسائل إخوان الصفا وكتاب
دعائم الإسلام للقاضي النعمان وهو من قضاتهم، وفي كتاب كذا وفي كتاب كذا، فيخرجونهم من التصوف إلى
الباطنية بسهولة.
وكذلك يأتون إلى العوام والسذج ويدعونهم للخروج من الإسلام إلى
الباطنية عن طريق الشهوات، فيعدونهم بالشهوات وبإباحة النساء وبإباحة كل شيء كما سمعنا في قصائدهم، فيدخل ويتطوع ويتجند معهم أعداد من الغوغاء لا هدف ولا هم لهم إلا هذه الشهوات وهذه الملذات التي يقضونها في المعسكرات مع نساء أولئك الخبثاء من المتعة وغير المتعة.
وكما تعلمون أن أكثر الناس والفساق من الأحداث والصغار ومن الشباب إذا وجدوا أبواب الشهوات مفتوحة فإنهم يلجونها ويدخلون، وأولئك يبذلون لهم أعراضهم عن طريق المتعة وغيرها، وفي النهاية يقولون لهم: الأمر ليس هو أمر متعة، الأمر أن الفروج مباحة، والأموال مباحة، وكل شيء مباح، فيدخلونه في دين
مزدك دين
المزدكية، دينهم القديم، دين المجوس القديم باسم
الباطنية وهكذا أدخلوا الناس دينهم.