السؤال: سمعنا من بعض الأساتذة بالجامعة بأن انتقال اليهود من
الاتحاد السوفييتي إلى
فلسطين تحقيق لوعد الله عز وجل، ما مدى صحة هذا القول على هذا الفعل عند اليهود، نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة سريعة عن هذه البشرى من الله ومن رسوله وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا شك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر وأن بعض المفسرين قد فسرها في أول سورة الإسراء بذلك، أي: بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يقدر ويقضي أن يجتمع اليهود وسيقاتلهم المسلمون، وسوف تكون الغلبة -كما هي دائماً في جميع المعارك- لكلمة الحق والإيمان.
نعم هذه حقيقة؛ لكن نحن لا يجوز لنا أن نفسر آية من كتاب الله أو حديثاً من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن ننزله على الواقع إلا ببينة وبرهان من الله تعالى، وإلا كان ذلك ضرباً من القول على الله تعالى بغير علم، هذه واحدة.
والأخرى: أننا أحياناً -وأقولها بكل صراحة- كثيراً ما نغلب جانب العاطفة المحضة، فلا نأخذ من الأمور إلا مظاهرها أو بعض ظواهرها، وننسى أعماقها وحقائقها فيكون له الأثر الكبير في مواقفنا من هذه الأمور ومن هذه القضايا.
وقد قلت في محاضرة سابقة -وما أكثر ما سئلت هذا السؤال- قلت: لا يعقل -ولا يصدق ونحن الآن أحوج ما يكون إلى دراسة ما حدث في
أوروبا الشرقية وتأثيراته، وهي أحداث سريعة متلاحقة تستدعي الدراسات الجادة العميقة المتأنية لها، والتحليل العلمي لنـتائجها وأسبابها ومؤثراتها- أن نأتي نحن فنروج وبكل بساطة أن هذا ما يحدث إلا لأجل أن يجتمع اليهود، ثم نقاتل اليهود وننتصر، وكأن هذه الأمور إنما تقع كلها لسواد عيوننا لكي نهزم اليهود.
أقول: قد يكون ذلك نوعاً من العاطفة التي ترتاح لها العقول، ولكنها في الحقيقة مخدر عن الواجب الذي يجب أن نعمله.
إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال وهو الصادق المصدوق: {
إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله عز وجل }.
وقال في الحديث الآخر: {
تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله لكم، ثم تغزون فارس فيفتحها الله لكم، ثم تعزون الروم فيفتحها الله لكم، ثم تعزون الدجال فيفتحه الله لكم } وكل هذه سمعها الصحابة الكرام فهل قالوا: إذاً من فضل الله علينا أن كسرى يقوم ويجمع الجيوش لأننا سننتصر أو الروم؟
كلا. وهم أكثر الناس تصديقاً لكلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل عدوا الجيوش وحملوا هَمَّ ذلك، كما قال
عمر رضي الله عنه: [[
وددت أن بيننا وبين فارس بحراً فلا يصلون إلينا ولا نصل إليهم ]] وهو يعلم بهذه البشارة، وهو الذي أعطى
سراقة سواري كسرى وألبسهما إياه تصديقاً لهذه البشارة.
مع ذلك ما كان يريدها لأنهم قوم يحسبون لمثل هذا الكلام عدته، ويعلمون أن ذلك يستتبع ويستدعي الواجبات، الجيش الذي سيواجه اليهود ويقاتلهم وينصره الله عليهم ما شروطه؟
ما مواصفاته؟
ماذا يجب أن يتحقق في كل فرد منه وفي القيادة؟
ومن هذه الأمة، أهي نحن؟
نحن أبعد ما يكون -وأقولها بصراحة- نحن الذين لما قامت الأحداث الأخيرة التي فوجئ بها أكثر الناس، وهي الأطفال الذين يرمون الحجارة ويقولون: الله أكبر، أخذت الساحة تموج وتضطرب: كيف يمكن أن نواجه هذا العامل الجديد في مسيرة القضية بعد أن كانت متجهة إلى السلام بإجماع المنطقة؟
من أين جاء هذا العامل الجديد الذي بدأ يقلب اللعبة ويؤثر فيها؟
نحن لا يمكن أن ننتصر ونحن في هذا الوضع، وليس هذا تيئيساً ولا تخذيلاً، ولكن لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لنصره شروطاً وجعلها في كتابه ((
إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ))[محمد:7].
فهل نحن ننصر الله بوضعنا وبواقعنا هذا؟!
لا.
نحن -والحمد لله- مهيئون لأن نستكمل شروط النصر، نعم؛ لكن ما يزال بيننا وبينه مسافة.
فلو فرض أن اليهود المجتمعين في هذه الأرض هم الذين سوف يقاتلهم المسلمون؛ فإن ذلك يكون بعد أن يقضوا على وجودنا نحن جيل الهزيمة إلا من ثبته الله ووفقه، ثم يأتي جيل آخر -كما حدث في الحروب الصليبية، وكما حدث في التتار وغير ذلك.
فالجيل الأول جيل الهزيمة وجيل التبعية وجيل الإخلاد إلى الدنيا؛ فهذا لا ينتصر عليهم، وإنما يأتي الجيل الثاني أو الثالث أو الجيل الذي هيأه الله تعالى وأُهِّل بصفات المؤمنين المنتصرين.
فنعم نحن نستبشر، والمستقبل بلا ريب لهذا الدين ولا شك، مهما كثرت التيارات ومهما كثر الهدامون، لكن يجب أن لا ينسينا ذلك واجبنا، بل نتخذ من هذه البشارات معالم على طريق السير والثقة، ونعلم أننا سنخسر ونضحي بتضحيات كبيرة، وقد خسر الصحابة الكرام.
ولا نقول: لم تكن خسارة ولكن من حيث الفقد، فإن سبعين من القراء قتلوا في غداة واحدة، وقتل كذلك سبعون من الصحابة في يوم
أحد، وقتل من قتل قبل أن يفتح الله تبارك وتعالى البيت الأبيض - بيت كسرى - وقتل أيضاً الألوف المؤلفة قبل أن تفتح الروم.
وكذلك سوف تقتل ألوف الله تعالى عليم بها في الملحمة مع الروم، وفي الملحمة مع اليهود، هذه البشارات لا تنال إلا بتضحيات بجهود لا يحملها إلا رجال العقيدة، رجال الإيمان الذين يخرجون مجاهدين في سبيل الله ويريدون إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يطمعون في عرض من أعراض الدنيا الفانية، ولا يريدون بذلك إلا أن ينصروا هذا الدين.
نسأل الله أن يجعلنا أهلاً لنصره، وأن يجعلنا من يسن سنة حسنة في الدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وأن يقر أعيننا بانتصار الحق وظهور السنة إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.