أسباب التأثر بالتيارات الهدامة
السؤال: ما هي الأسباب التي أدت ببعض الشباب إلى التأثر بهذه التيارات الهدامة، وما هو الحل العملي لهؤلاء الشباب للخروج منها؟ ونرجو أن يشفعه بالوقاية الخاصة؟
الجواب: أولاً: نكرر اعتذارنا لعموم الموضوع، ولعدم التوسع والبسط فيه، ولكن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع، وأن يجعل فيه تذكيراً أن يجتهد كل الشباب في البحث والجد في الذب عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالنسبة للسؤال: ما هي الأسباب التي أدت إلى التأثر بهذه التيارات؟!
نعم، إذا غاب الحق فإن الباطل يظهر وينتشر، فمثلاً المناهج التعليمية التي تلقاها الشباب في أكثر جامعات العالم الإسلامي، هل تؤهله بأن يتأثر بهذه التيارات أم تؤهله ليقاومها ويصدها؟
أنى له ذلك، أكثر طلبة العالم الإسلامي الذين يدرسون المواد العلمية البحتة أو يدرسون في الكليات النظرية وهي أشد في مناهجها بعداً عن حقيقة الإسلام لا يقرءون ولا يفقهون عن دينهم شيئاً وليس هنالك وعاء أوسع من الجهل بأن تفرخ فيه هذه التيارات بقديمها وحديثها، بقضها وقضيضها، أمة بعيدة عن كتاب الله وعن سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأيضاً: هل الوسائل الإعلامية تقوم بواجبها في تذكير الناس بتعويض ما نقص في المناهج، وبتذكيرهم بالله، بإرشادهم، بتعرية وفضح هذه التيارات وأشباهها أم أنها تصب في المصب نفسه وزيادة؟
حتى المنابر التي يفترض أن تكون أداة لذلك كمنابر خطب الجمعة مثلاً، فهي كثيراً ما تغفل عن هذه الجوانب، وقد أصبحت الدعوة في نظر كثير من الناس من طلبة العلم ما هي إلا مواعظ مكررة، أو تعرض لبعض الأحكام الشرعية، ونحن لا ننكر المواعظ ولا ننكر الأحكام التي يجب أن يعلمها المسلمون وهي جزء من الحق، لكن لا بد أن يعرض الحق كله، ولا بد للمنابر الإسلامية أن تقوم بواجبها كاملاً كما كان الصحابة الكرام وكما كان علماء الإسلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى أوذوا في سبيل ذلك، ونحن نعلم ما تعرض له الإمام أحمد وما تعرض له شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وما تعرض له الكثير ممن قاموا وجاهدوا في الله حق جهاده، وبينوا بقدر ما استطاعوا حقيقة هذه الضلالات القديم منها والجديد.
وكانوا بذلك أهلاً لأن يجعلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أئمة يقتدى بهم في هذا الدين على مدار العصور، فلا بد لطلاب الدراسات، ولطلاب البحوث، وللشباب المحب للقراءة في الجامعات والمعاهد والمراكز المتخصصة، ولا بد لخطباء الجمعة كل في موقعه؛ أن يعتنى بدراسة هذه التيارات وهذه الظواهر لا على الإجمال -كما في هذه الندوة- بل على التفصيل، تأخذ جزئية جزئية، وتدرس دراسة علمية، ويوعى الناس عن أضرارها وعن أخطارها بقدر المستطاع.
الآن العالم أصبح قرية إعلامية -كما يسمى- ورقعة واحدة، والتأثير الفكري في أي جزء من العالم يصل إلى أبعد جزء منه أو في أوقات لا تكاد تصدق في ما مضى، بل في القريب الماضي وليس الماضي البعيد.
ولذلك يجب أن يحصن الشباب بالعلم، إن أهم ركيزة تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة هي العلم، ولهذا نقول -كمثال فقط- هل يمكن لطالب في قسم الكتاب والسنة -مثلاً- درس علم المصطلح والرجال أن يصدق دعاوى القوم في الطعن في السنة؟
هو أبعد الناس عن ذلك، لأنه عرف عظمة هذا العلم ويستطيع أن يدافع به، ولكن إذا كان الشباب لم يدرسوا ذلك في مناهجهم -كما هو حال أكثر جامعات العالم الإسلامي- وجاء أولئك واستغلوا ذلك الجهل، وأخذوا يتكلمون ويقولون: رواة الحديث يقبلون كذا، علماء الحديث يجعلون كذا؛ صدقهم أولئك ولا سيما مع الآلات الإعلامية التي تعطى لهم.
كذلك يجب أن نجعل الدين حقائق إيمانية وليست تقاليد اجتماعية، فالفتاة المسلمة مثلاً تتحجب لأن الله شرع ذلك ولأن الله أمر به.
فنربط الأخلاق والأحكام، ونربط كل فروع الدين بأصله المكين المتين وهو الإيمان بالله، الإسلام الذي يعني الاستسلام لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والدخول في الدين كافة، وتحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما شجر بيننا، واتباع سنته في كل صغيرة وكبيرة.
هذه هي وقاية لكل مرض من هذه الأمراض، بل لكل مرض يمكن أن يطرأ، وهي الخطوة التي لا يمكن أن نتجاوزها في أي عصر من العصور لمواجهة هذا التيار أو غيره من التيارات، وهذا أمر لا بد منه، وعليه يؤسس كل بناء بعد ذلك.