كانت تلك التحالفات الدنسة -التي تمت في أيام الحروب الصليبية- بين الباطنيين الحشاشين من جهة وبين العبيديين وهي الدولة التي تسمى الفاطمية من جهة، وبين الصليبيين من جهة أخرى، والكل كان يريد القضاء على الصحوة الإسلامية التي قادها
نور الدين، و
صلاح الدين -رحمهما الله تعالى- ثم كان التحالف الدنس بين التتار وبين الصليبيين على مستوى عالٍ، وهذا أيضاً مما ثبت.
ثم جاءت المرحلة التالية بعد ذلك، وهي مرحلة الحملات الصليبية المقنعة بالاستعمار الحديث -كما يسمى- حيث قدمت
أوروبا على العالم الإسلامي وقطعته، ومزقته إرباً، وسيطرت عليه.
ونعود فنجد أن الصليبية واضحة أيضاً في هذه الحملة الجديدة، فعندما وقف الجنرال القائد الصليبي
اللنبي الإنجليزي على
جبل الزيتون في
القدس وقال: ''الآن انتهت الحروب الصليبية''.
وعندما دخل الجنرال الفرنسي "
غورو" إلى
دمشق، وسأل عن قبر
صلاح الدين، ثم ذهب إليه وركله بقدمه وقال: ''قم يا
صلاح الدين ها قد عاد الصليبيون من جديد'' وقد كان معه المخططات التي هدفت إلى نشر الحضارة الغربية -كما تسمى- وإبعاد المسلمين عن دينهم، وإقصائهم عن حقيقته، وتزويد هذه الأمة الإسلامية بهذه الحضارة الغربية، ولا يخفى على أحد مؤامرات "
كرومر، و
دلو"، وغيرهما ممن لا يخفى ذكرهم، ولا مجال للإطالة والإفاضة فيه.
ولكن في نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي كان "
اللنبي، و
قورو" قائدين فيها، انتهت هذه الحرب كما هو معلوم بالنقاط الأربعة عشرة التي وضعها الرئيس الأمريكي "
ولسن"، والتي بناءً عليها أعطيت الدول الصليبية حق الانتداب على العالم الإسلامي.
وإذا استعرضنا صكوك الانتداب التي وضعتها أو أقرتها "عصبة الأمم" من أجل سيطرة هذه الدول وإضفاء الشرعية على حكمها للعالم الإسلامي، نجد أن من الأهداف الواضحة فيها هو: تزويد المسلمين، أو بعبارة ملطفة: إدخال الحضارة الغربية لهذه البلاد لتفقد انتماءها وتذوب شخصيتها وذاتها، وينعدم ولاؤها الذي كان حاجزاً قوياً لا يكسر -ولاؤها للمؤمنين وعداؤها للكافرين-.
وظهرت نتيجة لذلك الدعوات المحمومة التي تنادي بالتعاون الدولي، وبالنصر الدولي، والأخوة الإنسانية، وهي الشعارات الزائفة التي وضعتها
الماسونية وأخواتها وأذنابها، وما زالت الستار الخداع لما يديره الغرب من مؤامرات لهذه الأمة، وإن كان يكشر عن أنيابه في أحيانٍ كثيرة، ومن ذلك أنه انتهج المنهج الذي يعتبر أكثر خطورة ولؤماً، وهو نبش الفرق القديمة وإحياؤها، وإن كان ولا بد للمسلمين من تدين ورجوع إلى دينهم، فليكن إلى تلك الفرق التي يعلمون هم أنها أبعد شيء عن السنة، وعن حقيقة هذا الدين، ومن هنا يلتقي فكا الكماشة قديمها وحديثها.
وانظروا إلى كتب الفرق التي حققها المستشرقون، فهي في الغالب تهدف إلى هذه القضية بالذات: إحياء الفكر الاعتزالي بحجة أنه يمثل تيار الحرية الفكرية في الإسلام، وإحياء أو نشر كتب
الباطنية والروافض و
الصوفية على أنها تمثل مرحلة النضوج أو العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وهو القرن الثالث أو الرابع -كما يزعمون- حيث أصبحت الثقافة متناولة أو ملقحة بالأفكار الهندية، والأوروبية، وغيرها من الثقافات بخلاف العصر الأول الذي يعدونه مجرد بداية لنشوء أو لوجود الأمة العربية كما يسمونها.