المادة    
  1. الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر

    سميت المعاصي التي لا تخرج صاحبها من الملة شركاً تعظيماً لشأنها، وأنها أقرب شيء إليه، ولأن علاقتهما به واضحة، وهي أكبر في درجة المعصية من مجرد المعاصي، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى الرياء: الشرك الأصغر حينما قال لأصحابه: {أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فلما سئل عنه؟ قَالَ: الرياء}.
    أما الذين هم خارجون من الملة، يتقربون لغير الله، ويعبدونه رأساً من اللات أو العزى أو فرعون أو الأحبار أو الرهبان أو كائناً من كان، فهَؤُلاءِ يدعونه رأساً.
    أما المرائي فإنه يعبد الله من أجل غير الله، فهذا قريب ويلتحق بذلك، وهو أكبر من مجرد المعصية، ولهذا سمي شركاً وهو أصغر؛ لأنه لا يخرج من الملة.
    فمثلاً: الحلف بغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا بد أن نفصل فيه:
    فإذا حلف بغير الله، معتقداً أن للمحلوف به ما لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من التعظيم والمقام والقدر فسوى بين الله وبين أحد من خلقه، فهذا شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة من أجل ذلك الاعتقاد فهذا اللفظ يعبر عن اعتقاد، وبمجموعهما خرج من الملة، أو فبالاعتقاد وحده وإن لم يحلف يخرج من الملة، لأن من ساوى بين الله وبين أحد من خلقه في الاعتقاد فقد خرج من دين الإسلام
  2. خطورة الشرك

    لقد مقت الله الْمُشْرِكِينَ، وكتب وأوجب عليهم الخلود ولعنهم من أجل الشرك، كما ذكر الله تَعَالَى في القُرْآن في سورة الأنعام في موضعين منها حقيقة ما يفعله المُشْرِكُونَ، فَقَالَ في أول آية: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)) [الأنعام:1]والعدل في اللغة العربية معناه: التسوية أو المساواة، فكان العربي إذا ركب البعير أو الدابة وضع هاهنا حملاً وهاهنا حملاً فتعادل، فلا يميل أحدهما عَلَى الآخر.
    قَالَ: ((ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)) أي: يساوون، وجاء في آخر السورة أيضاً ((وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)) [الأنعام:150] وهذا العدل الذي جَاءَ في سورة الأنعام جَاءَ في سورة الشعراء مُعبراً عنه بكلمة أخرى هي التسوية كما قال تعالى: ((تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الشعراء:97] لماذا استوجبتم النَّار؟ عافانا الله وإياكم من ذلك، يقولون:
    ((إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ))[الشعراء:98] فالعدل والتسوية هي الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويكون العدل، وتكون التسوية، كما بين ذلك في سورة البقرة فقَالَ: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ))[البقرة:165] عدلوا بالله غيره وسووا بين الله وبين وغيره في المحبة التي هي أساس كل الأعمال، ومن ساوى بين الله وبين أحد من خلقه في المحبة والتعظيم والإجلال، اللذان لا ينشأن إلا عن محبة.
    فقد اتخذ من دون الله أنداداً بل حتى الخوف الحقيقي الذي هو خوف العباد لا يكون إلا من خوف المحبة وكذلك الرجاء الحقيقي لا ينشأ إلا عن المحبة، فالمحبة أساس كل عمل من الأعمال بحيث لو أن أحداً أبغض الله، أو أبغض رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أبغضَ شيئاً مما جَاءَ به رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يخرج من الدين نسأل الله العفو والعافية.
    والبغضُ هنا بغض اعتقاد لا مجرد غلبة النفس، أو عدم رغبتها، فالمقصود أن من حلف بغير الله، أو ساوى الله تَعَالَى بغيره، وعادله بالله، في التعظيم والإجلال فإنه يكفر -والعياذ بالله- ولا يكون مؤمناً قط وإن عمل ما عمل من الطاعات لأن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال :((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً))[الفرقان:23] ولا ينفع الْمُشْرِكِينَ أي عمل وإنما من فضله وعدله أنه لا يظلم أحداً، فيعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ويعطيهم بها الذكر الحسن، أو الصحة أو العافية أو المال، أو ما يشاؤون في هذه الحياة الدنيا، أما يَوْمُ القِيَامَةِ فلا يجدون شيئاً عَلَى الإطلاق؛ لأنه لا أساس لهذه الطاعات من توحيد الله، فكل ذلك قد محقه الشرك وأذهبه.