المادة    
لقد انحرف كثير من النَّاس في مفهوم التوسل فوقعوا في التوسل بذوات المخلوقين، حتى بلغ بهم الأمر أن عبدوا أُولَئِكَ المخلوقين، وما كَانَ غرضهم في الأصل إلا أن يتوسلوا بذواتهم أو يتقربوا بهم إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  1. شرك قوم نوح

    أقدم شرك وقع في بني آدم هو شرك قوم نوح، وذلك بسبب هذا الأمر، أنه كَانَ يوجد فيهم عباد وأولياء صالحون، "ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسراً" كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن عباس، وهَؤُلاءِ الصالحون قال قومهم لما ماتوا: كيف نتذكرهم؟ وكيف نعبد الله مثل عبادتهم ونتقرب إليه مثل تقربهم؟ فلو صورناهم فتذكرنا عبادتهم وتقواهم، فعبدنا مثل عبادتهم واتقينا مثل تقواهم، فلما صوروهم، ونسخ العلم، وجاءت الأجيال بعد الأجيال نسيت القضية الأساسية وهي التذكر وأصبحت توسلاً، فَقَالُوا: نتقرب بهَؤُلاءِ إِلَى اللهِ، ثُمَّ أصبحوا يعبدونهم من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن النَّاس من عبد الملائكة، ومنهم من عبد الكواكب، والهدف واحد((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى))[الزمر:3] الآية. أي: جعلناهم واسطة بيننا وبين ربنا عَزَّ وَجَلَّ، ووسيلة نتوسل بها إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ.
    ولما أن بعث الله عَزَّ وَجَلَّ نبينا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى ودين الحق، ورفع راية التوحيد ونشرها في الآفاق، وحطم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به الطواغيت والأصنام، وهدمت بيوت النار، وهدمت الصوامع الشركية وكل أنواع العبادات لغير الله بما قدَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تصل إليه دعوة الإسلام؛ ظل أعداء الإسلام يكيدون لهذه الأمة وحرصوا عَلَى أن يعيدوها إِلَى ملة الجاهلية الأولى، وِإلَى التوسل، ودعاء غير الله، ودعاء الأموات، وعبادة الصالحين، يريدون أن يردوها إِلَى تلك القرون السحيقة، وكأن نوحاً لم يبعث ولا النبيون من بعده وآخرهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  2. العبيديون وإحداث بدعة التوسل

    نستطيع أن نقول: إن أول من أحدث وأحيا عبادة القبور وبنى الأضرحة والقباب في دين الإسلام هم العبيديون المنتسبون زوراً وبهتاناً إِلَى فاطمة، وهذه الحركة الباطنية جزء من المجوسية الباطنية، أو من الباطنية التي كانت مكونة من اليهود والمجوس وأعوانهم، ممن أرادوا هدم الإسلام عن طريق هذه الحيلة العظيمة، وكتابهم الذين يرجعون إليه ويقتبسون منه، وينقلون منه، وأرادوا أن يجعلوه بديلاً عن القرآن.
    وهو عبارة عن خمسين رسالة كتبت عَلَى رأس الثلاث المائة، قيل: إنه بُدئ في كتابتها في أيام المأمون ولكن المترجح أنها عَلَى رأس الثلاث مائة وزيادة، وهي خمسون رسالة كتبت في الفلسفة، كل رسالة في موضوع معين من الموضوعات الفلسفية، مشتقة من الفلسفة اليونانية القديمة، ومن بعض فلاسفة الهند وفارس، وكانوا يرجعون إليها وينسجون عَلَى منوالها، ويهتدون بما فيها -وما فيها إلا الضلال- وهذه الرسائل سميت رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وهي موجودة الآن ومطبوعة، وهي تشتمل عَلَى هذا الشرك ويقول أصحابها: وجدنا أننا ضعفاء عاجزون، ومذنبون، وأنه لا يمكن الوصول إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مباشرة، فلا بد أن نتخذ بيننا وبينه الوسائل والوسائط نتوسل بها إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكلاماً هذا مجمل معناه، فأحيوا هذا الدين الفاسد وإلا فهو قديم من عهد قوم نو.
    ولما أن سيطر هؤلاء العبيديون، وحكموا القسم الغربي من العالم الإسلامي -كما هو معلوم- فإن حكمهم بدأ من المغرب، من المدينة التي سماها أبو عبيد الله الشيعي بـالمهدية في تونس، وهناك بدأت الدعوة ثُمَّ جاءوا إِلَى مصر، وكان قائدهم جوهر الصقلي، ففتحوا القاهرة، وفتحوا مصر، وفيها أسسوا قاعدتهم ومنها دخلوا إِلَى بلاد الشام، فاحتلوها حتى أنهم في فترة من الفترات، وصلوا بغداد وخطب لهم عَلَى منابر بـبغداد في أيام وسط فترة خلافة الدولة العباسية.
    حتى جَاءَ ملوك السلاجقة، فطردوهم عَلَى ما هو مفصل في التاريخ، فاحتلوا هذه المساحة الكبيرة من المغرب، ومصر والشام وكذلك الحجاز واليمن، وكان في القسم الشرقي الذي يشمل جنوب بلاد الشام وشرقيها وجنوب العراق، وبلاد فارس وشرق الجزيرة العربية كَانَ القرامطة وهم أيضاً عَلَى دين الباطنية، وأعلنوا الكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والشرك جهاراً نهاراً.

    وشرعت مسألة التوسل تطبيقاً لماشرعه أُولَئِكَ الكهنة أو الأحبار الذي كتبوا رسائل إخوان الصفا ففي مصر لما بنوا المدينة التي سموها القاهرة قالوا: نَحْنُ من آل البيت، وابتدعوا قولاً وهو أن رأس الحسين بن علي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما لما قتل في كربلاء أرسل إِلَى مصر، وليس لهذا ذكر في التاريخ، وليس له من مبرر، حتى قيل: إن إرسال رأسه من كربلاء إلى دمشق لم يحصل أصلاً، ولماذا يرسل رأسه هل للتأكد من موته؟ وهل هو إنسان مجهول حتى يعلم أنه مات أو لم يمت؟!
    إن موت الكبراء والعظماء معروف سواء كانوا عَلَى حق أو عَلَى باطل، فزعموا وادعوا أن الحسين قد أرسل رأسه إِلَى مصر فقالوا: نتوسل إِلَى الله بـالحسين، وبرأس الحسين ثُمَّ وضعوا أيضاً، مشهداً للسيدة زينب، وهذا للسيدة نفيسه وهكذا حتى يؤكدوا أنهم من آل البيت، وأنهم يعظمون ويحيون ما اندرس من شعائر الدين التي يستحقها أهل البيت، والتي يأذن بها ويشرعها أهل البيت، عملاً بما جَاءَ في كتب الرافضة -قبحهم الله- من كذب وافتراء عَلَى آل البيت أنهم هم الوسيلة إِلَى الله -كما في كتاب الكافي- فالأصل أن المنبع واحد، فهذا هو الذي أوجد قضية التوسل في العالم الإسلامي، وأصبحت بهذا الشكل المشاهد الآن.

    فـالرافضة رووا روايات -كما في الكافي- عن جعفر الصادق أنه قال (نَحْنُ آل بيت رَسُول الله، ونحن الوسيلة إِلَى الله، ولا وسيلة إِلَى الله عن غير طريقنا أو من سوانا) فَقَالُوا: إذاً آل البيت هم الوسيلة إِلَى الله، وأولئك يزعمون أنهم من آل البيت فاتفقت الفكرة المجوسية القديمة، مع تلك الفكرة الرافضية التي منابعها وأصولها مجوسية أيضاً، والهدف من الجميع واحد وربما كَانَ المخطط أيضاً واحد، فهؤلاء أقاموا في بلادهم القباب والقبور وشيدوها وكذلك هؤلاء وكل ذلك بدعوى محبة آل البيت، وبهذه الطريقة انتشرت عبادة القبور.
  3. الصوفية والتوسل

    تُعدُّ الصوفية الجناح الثالث الذي نشر هذه الفكرة باسم التوسل وتعظيم القبور، حتى أصبح الآن أنك إذا قلت: هذا صوفي، فمعناه: أنه يعظم الأموات والقبور، بينما كانت في الأصل الباطنية.
    والقائمون اليوم عَلَى الأضرحة والمشاهد والقباب والقبور كُلهم من الصوفية، مما يدل عَلَى أن هناك أصلاً مشتركاً، كما أنهم يقولون: إن أصل التصوف هو عَلِيّ رضي الله تَعَالَى عنه، وأصل العلم الباطن هوعَلِيّ
    فكل دعاة الإلحاد والإفساد في دين الله دخلوا من باب التشيع ومن باب محبة آل البيت، إلا أنه وفي المرحلة الأولى، وأول ما وجدت هذه المشاهد كانت عَلَى أيدي العبيديون، الذين كانوا كما قيل فيهم: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض، فأظهروا المولد وبنوا المساجد عَلَى القبور كما فعل النَّصَارَى الذين قَالَ فِيهمُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{لعن الله اليهود والنَّصَارَى اتخذوا قبورا أنبيائهم مساجد} أو قَالَ: {كانوا إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا عَلَى قبره مسجداً} هذا ما فعله أُولَئِكَ وامتلأ به العالم الإسلامي.
  4. الرافضة والتوسل

    بعد أن انقرضت وهلكت دولة العبيدين عَلَى يد الأمير المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى الذي أفنى الله تَعَالَى بسيفه أُولَئِكَ المجرمين الزنادقة وأهلكهم وورث التركة الرافضة وورثتها الصوفية فيما بعد، فأما الرافضة فإنهم يعتقدون أن الوسيلة التي شرعها الله هي التوسل إِلَى الله بعبادة الذوات وبالأخص أهل البيت: علي، الحسن، الحسين، عقيل، وصاحب السرداب هذا المعدوم الموهوم وغيره.
    وتجدون ذلك في جميع كتبهم كما في كتابهم المسمى الجنان أو البستان وتعليق عَلَى البستان وأمثال ذلك، ففيها أدعية من أولها إِلَى آخرها ماذا يقال عند مشهد وقبر كل واحد منهم، حتى ألف أحدهم وهو من كبرائهم الخبيث المسمى ابن المفيد ألف كتاباً سماه مناسك المشاهد فكما أن للحج والعمرة مناسك، فقد جعلت الرافضة مناسك لزيارة المشاهد وَقَالُوا: إن تربة قبر الحسين عندهم أفضل من الكعبة، وأن من جَاءَ لزيارة الحسين فهو أفضل من الحج إِلَى مكة، قيل: بسبع مرات، وقيل: بسبعين مرة، وقيل أضعاف ذلك، فهذا هو الرفض الأساسي، صرف النَّاس عن التوحيد وعن تعظيم ما عظم الله، فالله تَعَالَى شرع تعظيم شعائره، ومن شعائره تعظيم هذا البيت المحرم، وهذا الحرم الآمن فهم يريدون أن ينقلوا ذلك إِلَى غيره، فهم اتجهوا شرقاً، والعبيديون اتجهوا غرباً.
    قبر الحسين عند الرافضة:
    لقد أصبحنا نجد في مصر قبراً يقال له: قبر الحسين أو مشهد الحسين وهو من أكبر أماكن العبادة لغير الله، والعياذ بالله، كما يوجد في شمال أفغانستان في مدينة كبيرة مشهورة تسمى مزار شريف أي المزار الشريف وهو قبرُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، في بلد لم يصل أمير المؤمنين علي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وإنما المعروف المتواتر أنه قتل بالكوفة ودفن هنالك وجُهِلَ وخفي قبره.
    ويحضر عنده الآلاف للحج كأنك ترى النّاس في منى أو في عرفة، وخاصة في فترات معينة من السنة، يحضرون من أفغانستان ومن باكستان ومن التركستان ومن مناطق عديدة، وترى النّاس وكأنك في المشاعر التي عظمها الله وقدسها وأمرنا أن نعظمها.
    وفي نفس الوقت تجد الحسين الذي قتل في كربلاء يعبد في مصر، ويعبد في دمشق ويعبد في العراق أيضاً، فكل يدعي أن الحسين قبر عندهم ولو ثبت أنه في مكان معين لما صح أن يعبد الله عَزَّ وَجَلَّ عند قبره فضلاً عن أن يعبده أو أن يدعوه من دون الله،
    ثم جَاءَ بعد ذلك دور التصوف لما ظهرت أعلام السنة، وأصبح كل من انتسب إِلَى الرافضة او التشيع عرف الْمُسْلِمُونَ أنه عدو الله ولرسوله وللمؤمنين.
    الحروب بين الرافضة وأهل السنة :
    قامت الحروب المشتعلة في كل مكان بين الْمُسْلِمِينَ وبين هَؤُلاءِ الروافض، فعلى سبيل المثال في بغداد عاصمة العالم الإسلامي عاصمة الدنيا جميعاً في القرون الوسطى، كانت تنقسم إِلَى قسمين: الكرخ، والرصافة، ففي كتب التاريخ أن المعارك نشبت بين الكرخ وبين الرصافة، والشيعة في الكرخ وأهل السنة في الرصافة، فأحياناً أهل السنة يهجمون عَلَى الكرخ ويحرقونهم.
    وأحياناً يحرق أهل الكرخ الرصافة وهكذا طوال التاريخ، وهذه عاصمة الخلافة الإسلامية، وعاصمة الدنيا، وهذا الحال فيها، وكذلك كثير من البلدان، فعداوة الرافضة اتضحت وأُعِلَنت، فجاءوا من طريق آخر خفي وهو الأخبث، ولا يزال موجوداً إِلَى اليوم ينشر الشرك وهو الذي وَرِثَتهُ الصوفية عن الرافضة والباطنية.