المادة    
اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الغاية التي يسعى إليها كل المخلوقين، فيسعون إِلَى معرفة ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويسعون إِلَى نيل رضاه، ويحرصون عَلَى أن يدفع الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهم ما يكرهون، وأن يمنَّ عليهم ويتكرم بما يريدون، فالأصل في البشرية جميعاً أن اتجاهها هو إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن غايتها وإرادتها تنتهي إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن الانحراف واقع، وقد وقع قديماً وحديثاً، فيظن أن غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يملك ما يملكه الله، أو يمكن أن يكون وسيلة إِلَى ما عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  1. أعظم ما يتوسل به إلى الله

    إن القلوب لا تطمئن ولا تسعد ولا ترتاح في هذه الحياة الدنيا إلا إذا عرفت ربها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقربت إليه بأنواع القربات، التي جعلها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وسيلة إليه، فهذه هي الوسيلة الشرعية، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لما أن علم ذلك ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[البقرة:29] جعل هذه النفوس هكذا مجبولة، لا ترتاح ولا تطمئن ولا تسعد في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بعبادته وطاعته، وبمعرفته، وبالتقرب إليه، وما عدا ذلك فهو شقاء وضياع ونكد، وهو أرحم الراحمين، وهو الغني سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الكريم الذي كَّرم بني آدم، وهو الذي امتن عليهم بالرسل، وهو الذي أنزل عليهم الكتب، فجعل هذا الباب واسعاً جداً، لأنه لا سعادة للخلق إلا به.
    وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل نعيمه مترتباً عَلَى التقرب والتوسل إليه بما شرع، وجعل عقوبته وعذابه لمن توسل أو تقرب إليه بغير ما شرع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو استكبر وأعرض عن التقرب والتوسل إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  2. توسل الأنبياء والملائكة

    لقد ذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن أفضل خلقه وأعلاهم درجة، وأرفعهم رتبة وقرباً منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم الأنبياء، فقَالَ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً))[الإسراء:57] فهَؤُلاءِ الأنبياء والملائكة، والصالحون الذين ما دعوا وعبدوا إلا لمتابعتهم لطريق الأنبياء -هَؤُلاءِ- أعظم ما وصفهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به أنهم يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، واللهُ تَعَالَى أمرنا جميعاً بأن نبتغي إليه الْوَسِيلَةَ فَقَالَ سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ))[المائدة:35] فيجب أن نبتغي إِلَى اللهِ الْوَسِيلَةَ وأن نتزلف ونطلب الْوَسِيلَةَ إليه والقرب منه، فهَؤُلاءِ الأنبياء والملائكة والصالحون الذين عبدوا من دون الله، والذين أُشِرك بهم مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذين ابتدع أهل الباطل وأهل الشرك في حقهم ما لم يأذن به الله، وما لم يشرعه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَؤُلاءِ المدعوون المعبودون، الذين يشرك بهم من أشرك ويستغيث ويستعيذ ويلوذ بهم البعض، هَؤُلاءِ بأنفسهم يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، فجبريل عليه السلام أفضل الملائكة، ومُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل البشر يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، والملائكة الذين خلقهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مطهرين من كل ذنب، ولا تخطر لهم خاطرة بسوء أو معصية، وهم مع ذلك من خشيته مشفقون، ويعبدونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويسبحون له بالليل والنهار، لا يملون ولا يفترون، ويتقربون إليه جل شأنه، ويخافون من عذابه وسطوته، ومن نقمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم بهذه الحالة من القرب ومن التقرب.
  3. توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربه

    وقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أنه أعرف الخلق بالله، وأقرب الخلق إِلَى الله، وأخشى الخلق لله واتقاهم له سبحانه، كما صرح بذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: {إني: لأعلمكم بالله، وأخشاكم له} ومع ذلك كله كَانَ يتقرب بنفسه إِلَى الله وكان يبتغي إِلَى الله الوسيلة بكل ما تستجلب به مرضاة الله، وكل ما يؤدي إِلَى جنة الله ووعده، وبعث الله أنبياءه الكرام جميعاً ليعلموا النَّاس كيف يتوسلون إليه، وكيف يتوصلون إليه.
  4. التوسل بمعناه العام

    و أعظم ما يُتوسل به إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو توحيده جل شأنه ثُمَّ يتوسل إليه بالعمل الصالح، وهذه هي الوسيلة العامة، أو الدعاء بمعناه العام، و{الدعاء هو العبادة}، كما صح في الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن يعبد الله فهو يدعو الله، أو من يدعو الله، فهو يعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل ما يريده الناس من قربة تقربهم إِلَى الله، أو يتطلعون إِلَى وسيلة تكون لهم زلفى عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فقد جَاءَ بها الأَنْبِيَاء والرسل، وامتن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بها عليهم، وهي أعظم ما امتن به، حتى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما قَالَ: ((الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ))[الرحمن:1-4] في هذه الآيات جعل تعليم القُرْآن قبل خلق الإِنسَان لأن تعليم دين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وما يقرب إليه سُبْحَانَهُ وما يهتدي به المهتدي إليه أعظم من كونه خلق الإِنسَان، وإلا فكم من مخلوق ليس بمهتد إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يعرف الطريق إِلَى ربه لا فائدة في حياته، والأموات خير منه، وعدمه خير من وجوده ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ))[الأنعام:122] هذا هو المؤمن الذي أحياه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأنار قلبه بالإيمان والهدى، والقرآن، فهذا الدعاء بمعناه العام، والتوسل بمعناه العام، هو العبادة، ولهذا لا طريق للتوسل إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلا بما شرعه الله وبما أنزله عَلَى نبيه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما سنه رَسُولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما عدا ذلك فلا يوصل إِلَى الله، ولا يقرب منه بل هو طريق الضلال، والغواية وفي الأخير نهايته إِلَى النار، وإلى غضب الجبار، تَعَالَى وتقدس.