المادة    
اعلم أن الشَّفَاعَة التي يثبتها النَّصارَى والمُشْرِكُونَ من الغلو في المشايخ وغيرهم لا تكون إلا ممن لم يقدر الله حق قدره، فهم يظنون أنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كالمخلوق، ويشبهونه بذلك.
ويقولون: نطلب الشَّفَاعَة إليه بواسطة غيره ظناً وتوهماً منهم إما أنه لا يسمعهم ولا يعلم بحالهم، وإما أنه لا يقبل الضعفاء والمذنبين وأصحاب المعاصي والكبائر فيتشفعون ويتوسطون بالمقبولين لديه كما يزعمون.
  1. الشبهة التي يستدلون بها والرد عليها

    إن هذه الشبهة الشيطانية ألقاها الشيطان عَلَى أفواه كثير من الناس، فترى أحدهم إذا دعا غير الله أو توكل بذات من الذوات الصالحة إِلَى الله، وأنكرت عليه ذلك، يقول: أنا مسكين، وأنا مذنب، وأنا كثير الخطايا! كيف أدعو الله! وكيف أخاطبه وأصل إليه مباشرة وأنا في هذه الحالة وفي هذه المثابة، فلا بد أن أتوسل إليه أو أجعل بيني وبينه وساطة من أحد عباده الصالحين المقربين من الأَنْبِيَاء أو الأولياء.
    فأصل هذه الشبهة أنهم ما قدروا الله حق قدره، وما عرفوه حق معرفته، وأعرضوا عما في كتابه وعما في سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    من بيان حال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مع عبادة الصالحين، فإن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186].
  2. إجابة الله دعاء المضطر ولو كان كافراً

    إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قريب ممن يدعوه أياً كَانَ ذلك الداعي؛ حتى أن الكافر المضطر إذا دعا الله أجابه، وهو الذي يغيثه، فيكشف ما يدعون إليه إن شاء.
    كما ورد ذلك في آيات كثيرة من القرآن
    حيث ألزم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُشْرِكِينَ بضرورة إخلاص الدين له، وتوحيده وعبادته وحده، بأنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فإذا هاج بهم البحر وماج واضطرب وظنوا أن لا ملجأ لهم ولا منقذ من الله إلا أن يتوجهوا إليه وحده ((فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))[العنكبوت:65]، فهم في حال الشدة يوحدون ويخلصون، وفي حال الرخاء يُشركون.
    فهذا إلزام ألزمهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به، فمقتضى ربوبيته لهم أنه يرزقهم ويطعمهم كما قال تعالى: ((كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِِ وَهَؤُلاءِِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً))[الإسراء:20] نمد أهل اليمين المؤمنين، وأهل اليسار الكافرين، فلو لم يرزقهم الله فمن الذي يرزقهم؟
    ولو لم يكشف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الضر عن المضطر ويكشف السوء عمن دعاه مؤمناً كَانَ أو كافراً فمن الذي يكشف ذلك؟! لا أحد، فهذا مقتضى ربوبيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وخاصيته وألوهيته أنه يفعل ذلك جل شأنه وهذا الإله الكريم الذي بيده خزائن كل شيء والذي إليه المنتهى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والذي يملك كل شيء في هذه الدنيا، فالله قد فتح الباب عَلَى أوسع ما يمكن لقبول توبة التائبين والمستغفرين، وكيف يتوسط إليه بخلقه، وهو كما قال الشاعر:
    الله يَغضبُ إنْ تَرَكتَ سُؤالهُ            وبُنيَّ آدَمَ حِينَ يُسألُ يَغضبُ
  3. غضب الله على من لم يدعه ويسأله

    ثبت في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {من لم يدع الله يغضب عليه} فالإِنسَان لو كَانَ أباً حنوناً رحيماً ودوداً عطوفاً وكان له ابن مدلل لا يرد له أي طلب -يحبه غاية الحب- ولكن إذا كرر عليه الابن الطلب فالأب يغضب، ويزجر ولده من كثرة ما يطلبه ويلح عليه في الطلب.
    فهذا هو حال المخلوق؛ لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلما ندعوه يرضى عنا، وبقدر ما ندعوه يكون الرضى عنا، فأكثرنا عبودية لله عَزَّ وَجَلَّ أكثرنا دعاءً له كما صح في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الدعاء هو العبادة} هذه هي حقيقة العبودية.