إذا كان الأمر كذلك فيجب عليّ إذا وجدت في أهلي أو عملي منكراً أن أزيله، لماذا؟ لأنني في مواسم الخير، وفي الأماكن المقدسة، عاهدت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أن أكون عبداً مطيعاً متقياً، وأن يكون حالي بعد عودتي خيراً منه قبل ذلك.
إذاً: عليّ أن أتفقد نفسي وأبحث عن عيوبها، وإذا كنت لا أعرف عيوبها فعليّ أن أسأل إخواني في الله، وأطلب منهم النصيحة والتعاون على الخير.
إذا استشعرنا هذه المعاني العظيمة فسنجد ثمرة هذا القبول إن شاء الله تبارك وتعالى، ويكون ذلك من علامات التوفيق الذي يقودنا أيضاً إلى طاعات أخرى؛ لأن الإنسان أول ما يكف عن المعصية، ثم بعد ذلك يأتي بالطاعة، ثم يزداد يقيناً، ثم يزداد، حتى يصل إلى درجة الصديقين والمقربين.
وربما وفقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ففتح له باباً من أبواب العلم، فنفع الله به الناس، وربما فتح الله تعالى له باباً من أعمال الخير؛ فأصبح من الذاكرين الله كثيراً، وربما فتح الله تعالى عليه باباً من أبواب الخير والفضل؛ فأصبح من المتصدقين المنفقين.
إن سبل الخير كثيرة، وطرقه عظيمة، كما قال الله تعالى: ((
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))[العنكبوت:69] فكل واحد منا يجاهد في الله، ويعقد النية على طاعة الله والاستمرار عليها، وأن يكف وينـزجر عما حرم الله، وليثق بأن الله لن يخيبه، وأن الله سيفتح له باباً من أبواب الخير، والأجر العظيم، التي قد لا يفطن لها كثيرٌ من الناس، ولكنه بإذن الله يمكن أن يؤديها، لو لم يفعل إلا أن يكثّر سواد المسلمين بحلقات الذكر، وفي حلقات العلم، فيكون حيثما ذكر الله عز وجل مبادراً يسابق الناس، ويزاحم الناس، ويسمع ما قول الله، وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يدعو إخوانه؛ ويدعو جيرانه، إذا رجع إليهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويذكرهم بواجبهم نحو نسائهم.
فنساؤنا لهن حقٌُ علينا أن نرعاهن، وأن نحفظهن من الأسواق، وأن نحفظهن من النظر إلى ما حرم الله، فالله تعالى يقول: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ))[التحريم:6].
إذا قلت لهم هذا الكلام تجد القبول -إن شاء الله- وفعلاً: تشعر أن الحج قد أعطاكَ قوة، أو طاقة، أو شحنة إيمانية تؤثر فيمن حولك بإذن الله عز وجل.
وكذلك يخبرهم أن إخواننا المسلمين في كل مكان، أحوالهم مؤلمة، وأمورهم سيئة، ويحتاجون إلى المال، ويحتاجون إلى الكتب، وإلى المساعدات، ويحتاجون إلى الدعاء، فيبذل كلٌ على قدر استطاعته، وبهذا نحس أن الإيمان الذي كان راكداً في القلوب تحرك، وبحركته تحركت الأمة، تحرك المسجد، ثم تحرك الحي، ثم تحركت المدينة، ثم تحركت الأمة كلها -بإذن الله تبارك وتعالى- وأصبحنا نعيش في حالة جهاد:
جهاد مع النفس، وجهاد مع الشيطان، جهاد مع الشهوات، والمغريات، والفتن، وجهاد مع البدع والضلالات، والخرافات، وجهاد حتى مع أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستشعرنا أننا أمة واحدة، وأننا جسد واحد.