المادة    
الشَّفَاعَة لها شرطان: وبعض العلماء يذكر أكثر من ذلك، لكن الأمر يرجع إِلَى شرطين:
الأول: هو إذنُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى للشافع، سواءً كَانَ هذا الشافع ملكاً، أو رَسُولاً، أو عبداً صالحاً، أو شهيداً، أو غير شهيد، أو مَنْ شاء الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- من الشفعاء.
الثاني: رضى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عن المشفوع له، فالشَّفَاعَة تتركب من شافع ومشفوع له ومشفوع لديه، وهو الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
  1. أدلة ذكر الشفاعة من القرآن

    الأدلة عَلَى الشَّفَاعَة جلية من كتاب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكذلك من سنة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في آية الكرسي: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ألا بِإِذْنِه))[البقرة:255] في هذه الآية العظيمة التي هي أعظم أية في كتاب الله لِمَا اشتملت عليه من صفات الألوهية وخصائصها التي هي صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتي لا يشاركه فيها أحد نفي الله الشَّفَاعَة عن كل أحد إلا بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أذن له من العباد أن يَشْفَع فإنه يَشْفَع بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    وفي سورة النجم يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن الملائكة الذين هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ولا يرتكبون ما يرتكبه بنو آدم من الذنوب والخطايا يقول عنهم: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى))[النجم:26] فجعل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذنه شرطاً لشفاعة الملائكة وهم من عباد الله المكرمين الذين كانت بعض الأمم يعبدونهم ويظنون أن فيهم خصائص الألوهية، ويصرفون بعض أنواع العبادة لهم، فبين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنهم لا يشفعون إلا من بعد أن يأذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمن يشاء ويرضى، وذكر من صفاتهم أيضاً في الآية الأخرى قوله: ((وَلا يَشْفَعُونَ ألا لِمَنِ ارْتَضَى)) [الأنبياء:28] فإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة أو للرسل أو لغيرهم هو الشرط الأول. ورضاه عن المشفوع له هو الشرط الثاني.

    والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال :((وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)) [الزمر:7] فالله تَعَالَى لا يرضى عن الكافرين ولا يحبهم؛ ولذا لا تنفعهم شفاعة الشافعين كما أخبر الله بذلك، وخص الشَّفَاعَة بقوله:((إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [الزخرف:86] فالشَّفَاعَة خاصة ومحصورة في أهل التوحيد فيمن شهد بالحق وهم يعلمون، فمن شهد شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عالم بمعناها، عامل بمقتضاها، فهَؤُلاءِ هم الذين يستحقون الشَّفَاعَة، هذه بعض الآيات في ذلك.
  2. الأدلة من السنة على ثبوت الشفاعة

    أما من السنة: فالحديث العظيم حديث الجهنميين الذي رواه أكثر من صحابي ومنهم: أَبو هُرَيْرَة وأبو سعيد الخدري كما في الروايات التي في صحيح البُخَارِيّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه {فيخرجون من النَّار وهم آخر النَّاس خروجاً} وهَؤُلاءِ هم الذين يقال لهم: الجهنميون، {فيخرجون من النَّار وقد امتحشوا وصاروا فحماً فيلقيهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحميلة في طرق السيل -كما ينبت النبات الذي يكون عَلَى طرف السيل- ثُمَّ يدخلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجنة برحمته}.
    وهذا يكون بعد أن يشفع الشافعون من الملائكة وعباد الله الصالحين ويتحنن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من بعد ذلك عَلَى من يشاء كما في رواية المسند {ثُمَّ يتحنن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من بعد ذلك، فيخرج أقواماً لم يعملوا خيراً قط} فهَؤُلاءِ جميعاً الذين هم آخر من يخرج من النَّار تنالهم الشَّفَاعَة وهَؤُلاءِ كلهم من الموحدين
    .
    فلا حظَّ ولا نصيب في الشَّفَاعَة لمشرك إلا في حالة خاصة سيأتي شرحها إن شاء الله تَعَالَى وهي حالة أبي طالب مع العلم أن الإخراج من النَّار لا يكون أبداً لمشرك وإنما هو خاص بالموحدين، ولهذا فإن الجهنميين -كما ورد في نص الحديث الصحيح- يعرفهم الشافعون بعلامة السجود؛ لأن النَّار تأكل ابن آدم إلا آثار السجود.
    كما يدل الحديث أن تارك الصلاة ليس من الْمُسْلِمِينَ ولا يعامل معاملة الموحدين ولا تنفعه شفاعة الشافعين، قال الله تَعَالَى في شأنهم: ((قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ))[المدثر:43-46].
    فهَؤُلاءِ الذين ليس لهم علامة السجود كيف يخرجون من النار؟
    وكيف يعرفهم الشافعون ليخرجوهم من النار؟
    وأما من يتحنن الله تبارك عليهم ويخرجهم بعد ذلك، فهم إما أنهم كانت فيهم علامة سجود ضيقة ضعيفة لا تكاد تُرى -مثلاً- أو ممن كانت لهم حالة خاصة كمن يعيش في آخر الزمان حيث لا يدري النَّاس ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، وحيث يندرس العلم، فالمسلم في ذلك الزمان هو الذي يقول لا إله إلا الله فقط، لا يعرفون إلا هذه الشهادة -لا إله إلا الله- ومع ذلك هم خير ذلك الزمان، وشر الخلق بالنسبة لمن بعدهم، ثُمَّ يهلكون، ولا تقوم الساعة حتى لا يبقى في الأرض من يقول: لا إله إلا الله، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا له تفصيله إن شاء الله في مبحث الحشر والجنة والنار.
    والمقصود هنا: أنَّ الذين بلغت بهم المعاصي إِلَى أن تركوا الصلاة أو ارتكبوا أي معصية تخرج صاحبها من الملة فهَؤُلاءِ ليسوا من أهل التوحيد. فكل من ليس من أهل التوحيد وكان من أهل الكفر: إما كفراً أصلياً أو كفر ردة. فهَؤُلاءِ لا تنالهم الشَّفَاعَة ولا يخرجون من النار.
  3. إثبات الشفاعة بالإجماع

    أما ثبوت الشَّفَاعَة بالإجماع: فقد أجمع أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ على إثبات الشَّفَاعَة كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما وقع الخلاف من أهل البدع ومَنْ حذا حذوهم أو تأثر بهم.