المادة    
والأحاديث التي وردت في الحوض، رواها جمع غفير من الصحابة، ووردت بطرق كثيرة، وورد بعضها ضمن أحاديث القيامة والمحشر، فأراد المُصنِّفُ أن يجمع الكلام في الحوض، فقَالَ: [والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض، أنه حوض عظيم، ومورد كريم، يمد من شراب الجنة من نهر الكوثر الذي هو أشد بياضاً من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحاً من المسك].
ونهر الكوثر وردت فيه بذاته أحاديث منها الحديث الذي رواه الإمام أَحْمَد، وكذلك رواه الإمام مسلم: حديث أنس بن مالك الذي تقدم {((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ))[الكوثر] ثُمَّ قال لأصحابه: أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قَالَ: هو نهر أعطانيه ربي عَزَّ وَجَلَّ في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يَوْمَ القِيَامَةِ، آنيته عدد نجوم السماء، يختلج العبد منهم ...}
وفي حديث الإسراء المتقدم: نهر عظيم في الجنة، وفي أحاديث أخرى وصفت ماءه بأنه أشد بياضاً من اللبن، وأنه أبرد من الثلج، وأحلى من العسل؛ وأطيب ريحاً من المسك، وكما ورد في الحديث الذي تقدم أيضاً أنه يشخب أي يصب ميزابان من هذا النهر فيكونَّان الحوض.
وفي عرض الحوض ذكر المُصنِّفُ ما رواه البُخَارِيّ عن أنس قَالَ: {إن قدر حوضي كما بين أيلةإلى صنعاء}، وهذه من أرجح الروايات وأكثرها شهرة.
وفي رواية {ما بين جرباء وأذرح}، وهاتان الروايتان هما الأكثر والأشهر والله أعلم.
وفي رواية أخرى: {ما بين أيلة إلى مكة}.
وفي رواية بين عدن وفي بعضها عُمان وفي بعضها بصرى.
اختلفت تلك الروايات، فقيل: هو إما بحسب السرعة، أو بحسب الاتساع، أو بحسب اختلاف الصحابة في السماع، أو بحسب اختلاف من بعدهم أيضاً في النقل، وما أشبه ذلك، فمن هذه الروايات نفهم أن الحوض في غاية الاتساع.
يقول المصنف: [وفي بعض الأحاديث أنه كلما شرب منه وهو في زيادة واتساع] أي: لا ينقص ذلك منه شيئاً، وهكذا حال الجنة فإن نعيمها لا ينفذ أبداً كحال هذه الدنيا التي ينفد ما فيها من الخير وإن كَانَ كثيراً، أما الجنة فإن أكلها دائم وظلها، لا ينفد شيء من نعيمها ولا ينتهي، وأنه ينبت في حالٍ من المسك -أي ينبت المسك فيه- والرضراض في لغة العرب هي: الحصى الصغيرة، وهي من اللؤلؤ يجري هذا النهر فوقها، [وأنه يثمر ألوان الجواهر، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء، ولا تنفد خزائنه، ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [يّـس:82].