المادة    
قد يقول قائل: كيف نفسر الحديث، وكيف نستشهد به في موضوعه الصحيح؟ وفي بعض روايات الحديث: أصحابي وفي بعضها: أمتي والجواب عَلَى التفصيل الآتي:
  1. تفسير رواية ( أمتي أمتي )

    الروايات التي فيها {أمتي أمتي} لا إشكال أن في هذه الأمة من يذاد عن الحوض؛ لأن فيهم من أهل البدع والنفاق والضلال أو ليس المنافقون يَوْمَ القِيَامَةِ يطمعون أن يحشروا مع المؤمنين لأنهم منهم، ولكن يضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ويظنون أنهم من هذه الأمة ويحاولون السجود ولكن تتصلب ظهورهم، وهَؤُلاءِ ممن يحسب في الدنيا أنهم من هذه الأمة، ويتبين لهم يَوْمَ القِيَامَةِ أنهم ليسوا من هذه الأمة وإن انتسبوا إليها.
    ومن أولى النَّاس بهذا الطرد الرافضة: لأننا إذا أثبتنا أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشربون من الحوض، وأنهم كذلك بلا ريب، فإن من أبعد النَّاس عن مشاركتهم فيه من يكفرهم ويلعنهم ويعد ذلك ديناً له، فـالخوارج والروافض وأهل الضلالات ينطبق عليهم هذا الحديث: {إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك} فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعِلم الغيب.
    وقد أَحدث بعده الطوائف من الضلالات والبدع ما هو كفر وخروج من الدين، فمن كَانَ ينتمي إِلَى هذه الأمة، ولكنه في الحقيقة ليس منها، فإنه لا يَرِدَ الحوض ولا يشرب منه، وبالتالي لا يدخل الجنة لأنه مرتد منافق -نسأل الله العفو والعافية- وهذا حال بعض أهل الفرق وأهل البدع، فهذا تفسير رواية: {أمتي أمتي}.
  2. تفسير راوية: ( أصحابي أصحابي )

    الرواية الثانية قوله: {أصحابي أو أصيحابي} لا إشكال فيها، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمن به في حياته جمع كثير بل كل العرب أرسلت إليه الوفود فمثلاً من الوفود التي جاءت إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني حنيفة ومنهم مسيلمة فرأوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأظهروا الإسلام، فدخلوا في حكم الصحبة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو قبيل ذلك بعد أن فارقوه -وهو لا يعلم- أحدثوا الردة عن الإسلام، وكذلك قبائل بني تميم وقبائل غطفان وبعض أهل اليمن اتبعوا الأسود العنسي وحصلت الردة من أناس جاءوا ووصلوا إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتسبوا إِلَى أمته.
    فهو يظن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو لا يعلم الغيب- أنهم من أصحابه، فيأتون يَوْمَ القِيَامَةِ فيذادون، لأنهم ليسوا من أصحابه، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فكان هذا حالهم فهَؤُلاءِ الذين ينطبق عليهم الحديث: ولفظه: {أصيحابي} تدل عَلَى لفظ التصغير الذي يدل عَلَى القلة ولا يعني هذا أن أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذادون وإنما هَؤُلاءِ أصيحاب جزء منهم ويكون أصيحاب كما قال أبو فراس الحمداني مثلاً:
    وقال أصيحابي الفرار أو الردي            فقلت هما أمران أحلاهما مر
    لو قَالَ: إن أصحابه كثير وقعوا في أسر الروم لكان هذا كالذي يريد أن يذم نفسه ويقول: نَحْنُ كثيرون، ولكننا نفكر، هل نهرب أو نقع في الأسر أو في الموت؟ لا، وإنما يقول: نَحْنُ قلة قليلة، وأحاط بنا من الروم وهم جمع كبير فصار الأمران أحدهما مر: إما أن نموت وإما أن نفر، وفعلاً وقعوا في الأسر.
    والذين ثبت وصح أنهم مبشرون بالجنة عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أول من ينطبق عليهم ثناء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في القُرْآن فهَؤُلاءِ لا يمكن أن يدخلوا في المطرودين والمبعودين عن الحوض.
  3. غرض الرافضة من الطعن في الصحابة

    هَؤُلاءِ الروافض إنما يقصدون بالدرجة الأولى أبُو بَكْرٍ وعُمَر وعثمان، ومن كَانَ معهم من العشرة المبشرين بالجنة وأصل عداوتهم منصبه ومحصورة بالذات في هَؤُلاءِ، وموقف الرافضة من مسيلمة كما يقول هذا الذي يسمي نفسه ابن المطهر الحلي صاحب منهاج الكرامة يقول: ومن الأدلة عَلَى عدم انعقاد بيعة أبِي بَكْرٍ أن بعض الْمُسْلِمِينَ لم يبايعه مثل بني حنيفة، فاعتبر مسيلمة وبني حنيفة من الأمة ومن الْمُسْلِمِينَ وهَؤُلاءِ رفضوا بيعة أبِي بَكْرٍ، واجتمعوا وولوا عليهم مسيلمة.
    إذاً هذا يدل عَلَى أن الإجماع لم ينعقد عَلَى بيعة أبِي بَكْرٍ والعياذ بالله فانظر كيف يجعلون أبا بكر وعُمَر وعثمان رؤساء الكفر والردة، ويجعلون مسيلمة من الْمُسْلِمِينَ!!
    وكان يجب أن يأخذ رأيه في الإمارة والخلافة ولما لم يوافق، فالبيعة لم تنعقد والإجماع لم يصح، وإنما أوردتُ هذا لتعرفوا أن غرضهم هو -كما قال من أدركهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم-: إنهم قوم منافقون، ما قصدوا إلا الطعن في الدين، ولكن لما عجزوا أن يقولوا للمسلمين: إن القُرْآن باطل، وإن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذاب -وهو الصادق الأمين- وحاشاه من ذلك، فَقَالُوا: نكذب أصحابه، فإن الكتاب والسنة إنما يؤخذ عنهم، فإذا كُذِّبَ الشهود بطلت القضية (إذا كُذِّبَ النقلة بطل الخبر) هذا هو المقصود والمراد منهم
    ، فإذاً تبين لنا أن هذا الحديث حق، وأن قوماً يذادون عن الحوض؛ لأنهم من المرتدين أو من أصحاب البدع والضلالات التي تجعلهم جديرين وأهلاً لأن يطردوا عن حوضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب، وهذا من الأدلة الكثيرة عَلَى ذلك، ولهذا يقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.