المادة    
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {ليردن عليّ أناس من أصيحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول أصيحابي، فيُقَالُ:: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}وكأن المُصنِّفُ اختار الحديث الأول ليدلنا عَلَى المسافة.
واختار الحديث الثاني لشيء آخر هو شأن الذين يُردَّون ويذادون عن الحوض، ولو نظرنا إِلَى حديث سهل بن سعد وهو أيضاً مما رواه البُخَارِيّ وفي رواية أبي سعيد يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنهم مني، فيُقَالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً لمن بدل بعدي}.
والأحاديث غير هذين الحديثين أيضاً كثيرة في خصوص هذه القضية، وهي أنه يذاد عن حوضه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض هذه الأمة وأنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغرب ذلك، ويقول: أمتي أمتي، أو أصحابي أصحابي، وأن الجواب يكون إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، أو إنهم غيروا وبدَّلوا، فهَؤُلاءِ قوم كانوا يستحقون الرد بما ارتكبوا، وبدلوا، وبما حرفوا، وابتدعوا في دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حجبوا ومنعوا من ورود الحوض، وصحت الرواية أنه {من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً}
  1. هل الصحابة ارتدوا كما زعمت الرافضة

    ولورود الآحاديث السابقة برز قرن فرقة خبيثة وطائفة من أعظم طوائف هذه الأمة نفاقاً - كما وصفهم بذلك العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم - وهم: الروافض عليهم من الله ما يستحقون.
    فقالوا: إن هذا الحديث دليل لمذهبهم الخبيث بأن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ارتدوا من بعده إلا أربعة نفر، وعلى أكثر أقوالهم: إنهم اثني عشر فقط، وأما البقية فإنهم قد ارتدوا عَلَى أعقابهم وأنهم يطردون عن الحوض.
    فيقولون: إن سبب ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منصرفه من حجة الوداع، وبعد أن أراد أن يكمل الدين وأن يودع الْمُسْلِمِينَ ويبين لهم أحكام الدين جميعاً، أخذ يجدد عليهم العهد في إمامة عَلِي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من بعده لأنهم يقولون: العهد قديم، ونزلت فيه آيات، وقرأها الصحابة، وبلغهم إياها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذه الآيات تدل عَلَى إمامة عَلِيّ من بعده وأنه الوصي.
    وَقَالُوا: إن معرفة الإِنسَان لإمامته ركن من أركان الدين وأصل من أصوله، ولا بد منه، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُخِفي شيئاً من الدين، فقد بلغ هذا الركن وهذا الأصل، ومن ذلك: أنه في غدير خم -كما يسمونه- أشهد الصحابة جميعاً وجمعهم -وكانوا آلاف مؤلفة- وبلغهم هذا وأخذ عليهم العهد والميثاق أن الخليفة من بعده هو عَلِيّ ولكن الذي حصل: أنهم ما كاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت، حتى اتفقوا جميعاً وتواطئوا وكتموا الآيات والأحاديث، وكتموا هذه الوصية، وحولوا الخلافة إِلَى أبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَر ثُمَّ عثمان وغمطوا علياً وأهل البيت حقهم؛ وأنكروا أصلاً من أصول الدين وركناً من أركان الإيمان والإسلام.
    ويقولون: هَؤُلاءِ هم من الصحابة الذين كانوا في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن يَوْمَ القِيَامَةِ يأتون والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدري ما أحدثوا من بعده، فيطردهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول لهم: سحقاً وبعداً ولذا طردوا؛ لأنهم غيروا ونقضوا وصيته لابن عمه عَلِيّ، هذا هو قول الرافضة.
  2. مقتضى كلام الرافضة في الصحابة

    كلام الرافضة في الصحابة يقتضي أموراً كثيرة منها:
    أولاً: أن الصحابة الكرام -رضوان الله تَعَالَى عليهم- كفار مرتدون متواطئون عَلَى ترك أمر من ضرورات الدين وأصل من أصوله وركن من أركانه.
    ثانياً: أن هذا طعن في جميع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى في الأربعة الخلفاء ومنهم عَلِيّ! ومن معه؛ لأن هذا ركن من أركان الدين فترك هذه الألوف المؤلفة هذا الأصل وسكوت الأربعة عنه، ومنهم عَلِيّ -لأنه لم يقم بأي عمل، ولم يقل للناس أخرجوا عليهم، ولم يثأر من أجل أصل من أصول الدين- إذاً: كل الصحابة متهمون بموجب هذه الدعوى، فليس فيهم مؤمن بل كلهم كفار، والأربعة منافقون.
    ثالثاً: وهذا القول فيه اتهام للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه لأنه هو الذي زكاهم ورباهم، وهو الذي مدحهم، وأثنى عليهم، وجاهد بهم الكفار، وعاش بينهم، وأخذوا منه أخلاقهم ومعاملاتهم، وكل ما يتصفون به من الصفات النبيلة والحميدة أخذوها من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كانوا أخذوا منه هذا ويصلون إِلَى حد أنهم وهم ألوف مؤلفة يتواصون ويتواطئون ويتفقون عَلَى ترك ركن من أركان الدين وأصل من أصوله؛ ليجحدوا ابن عمه فضله وحقه، فإذاً هو الذي رباهم عَلَى الغش والخداع والتواطؤ والنفاق والكذب كيف يصحبونه ويكونون من خاصته ومن أصفيائه وحواريه، وهم خونة وكذبة وفجرة، يتواطئون عَلَى أمر من أمور الدين العظيمة ويكتمونه، ويتواطئون عَلَى رجل عظيم فيغمطونه حقه؟!
    ولو اتفقوا عَلَى دينار من الحرام لكان هذا طعن فيهم، فكيف وهذه قضية من أمور الدين ومن أصوله الكبرى، مثلاً: لو أنك وجدت مجموعة من الطلاب يدَّعون الإسلام والدين الصحيح، وَقَالُوا: الذي ربانا عَلَى هذا الدين شيخنا فلان، وكانوا يعظمونه ويتبعونه، فلما جالستهم وخبرتهم وعرفت أفعالهم، وجدتهم عَلَى بدعة وعلى كذب وزور وفجور؛ كيف يكون ظنك بشيخهم؟! بطبيعة الحال نقول: هذه تربيته، وهذه طائفته.
    إذاً: هذا طعن بلا ريب في رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكبر من ذلك وهو جلي أيضاً أن يقَالَ: إن هذا الطعن في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أيضاً اتهام وسب لله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أثنى عليهم ومدحهم وزكاهم في كتابه العزيز وبين أحوالهم وصفاتهم الجليلة ولم ينزل هذا الدين إلا عليهم، فاصطفاهم واختارهم ليكونوا حواريين وأصحاباً لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نصرهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى اليهود والنَّصَارَى والمجوس وعلى أهل مكة الذين كانوا يدعون أنهم عَلَى دين إسماعيل، ويظهرهم عَلَى الدين كله ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويبدلهم بعد الخوف، والذل عزاً وأمناً وأصبحت الدنيا كلها تلهج بذكرهم وبثنائهم ويشتهر عنهم العلم في آفاق الدنيا.
    فكل هذا يحصل من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وحياً منزلاً ونصراً وتأييداً بالواقع المشاهد، ويكون هذا العمل ويقع لأناس مرتدين منافقين كاذبين متواطئين ومتآمرين، وهذا يتنافى مع حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو تكذيب لكتاب الله، فإنه قد جرت السنن الربانية الموصوفة في التاريخ أن الله يذل الكاذب الفاجر الظالم الغادر ولو بعد حين، وأن الله يفضحه ويخزيه ويعرف النَّاس حقيقته.
    أما وهو بهذا الشكل،
    يشهد أبناء الدنيا جميعاً مؤمنها وكافرها بإجماع التاريخ البشري الموجود أنه لا يوجد أمة أطهر ولا أزكى من هذه الأمة ويكونون في الحقيقة والواقع خونة متآمرين إِلَى آخره، هذا اتهام لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وسبٌ له، وطعن فيه وفي دينه وفي كتابه بلا ريب.