السؤال: ماحكم إيداع الأموال في البنوك؟
الجواب: إنها مشكلة أن يحتار الواحد منا في فلوسه لا يدري أين يضعها!
أولاً: كلنا في هذه المنطقة، لم يكن عندنا بنوك وآباؤنا في الماضي ماذا كانوا يصنعون؟
لم يكن هذا الخوف موجوداً، ولم تكن الدراهم ورقاً خفية بل كانت فضة وذهباً ثقيلة؛ يضعها في صندوق من الحديد، ومع ذلك حفظوها، وما ضاع منها إلا مثل الذي يضيع اليوم، بل نحن اليوم نضيع أكثر، فالمسروق اليوم أكثر مع أنها الآن خفيفة والبيوت آمنة، ومع هذا هناك من يقول: إنه يخاف عليها, ولكن الشيطان هو الذي يخوفه ((
إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ))[آل عمران:175] يجئ إلى أوليائه من أهل البنوك، ليزيدوا الناس خوفاً.
واعلموا أن أهل البنوك أحذق الناس في الشر، فمما يخوفون به الناس أنهم يستأجرون من يتكلم, ويقولون له: أنت إذا قعدت مع جماعة، فقل: السرقات كثرت! ما هو الحل؟
ثم تقول: ضعها في البنك وارتاح.
يقول المسكين: جزاك الله خيراً أن نبهتني، فعندي عشرة آلف ريال من الليلة سآخذها إلى البنك.
وهكذا يأتي من هذا عشرة ومن هذا خمسة، واجتمع عند صاحب البنك كذا مليون ريالاً، ثم هو يأخذ الأرباح بالملايين، وهو لم يعمل.
أخذها من خوفي وخوفك وخوف فلان، نخاف مِن مَن؟
نحن نحفظ في بيوتنا العار والعرض وهما أكبر وأغلى من العشرة والعشرين، فلماذا لا نضعها في البنك؟ إذاً الخوف خوف وهمي، وليس خوفاً حقيقاً.
الأمر الثاني: يقول أحدهم: أنا مضطر! أريد أن أتعامل! وأريد أن أسحب! أقول: يا أخي! المفروض، وهذا أمر ليس صعباً فنحن أهل المنطقة عندنا تجار، وعندنا غرف تجارية, وعندنا مشاريع, فنستطيع أن نضع عمارة معينة ونصبها كلها حديد حتى لا نخاف تماماً، ونرتب لها موظفين: ثلاثة أو أربعة، ونجعل عندهم صناديق قوية متينة، وهؤلاء الموظفون أمناء نستأمنهم، كما أن صاحب البنك عندما يستأمن الملايين على ثلاثة موظفين قد يكونون متعاقدين، فنضع فيه اثنين أو ثلاثة وكل واحد يضع فيه عشرة آلاف مثلاً، ونأخذ عليه ريالاً أو ريالين أو خمسة ريالات ونعطيهم منها رواتب، ونعطيهم كمبيوتر، ونعطيهم تلفون، ويكونون ليل نهار قاعدين يحرسون، ويجعل موظفون، والذي يأخذ يأخذ، والذي يودع يودع.
والكمبيوتر يجري جميع العمليات الحسابية كما تشاء، ماذا لك؟ وماذا عليك؟ وماذا صنعت؟ بغير تكلف! فهذه وظيفة الذي يشغل هذا الجهاز، ويكون عنده المال، وفي المدن الكبيرة كل حي يعمل فيه مثل هذا الشيء.
قد يقال: كيف نحول من محل إلى محل؟ هذه ليست مشكلة، فالتحويل يكون بالفاكس, وبالتلفون, وبالكمبيوتر، نربطه بـ
جدة وبـ
الرياض ويحول هذا لهذا، ويعطي هذا لهذا، وأجرة الحوالة حلال، كأن أحول لك وآخذ منك عشرين ريالاً أو ثلاثين ريالاً، والله ما جعل عليكم في الدين من حرج.
إذاً نحن نستطيع؛ لكن هل نريد ذلك؟ لو كنا نريد فنحن نقدر, لقد قدرنا على أشياء ما كنا نحلم بها، الآن بدأنا نقول: نريد أن تتقدم البلد، فنعمل فنادق ضخمة، ونعمل مشاريع ما كنا نحلم بها، أفلا نقدر على هذا، وهي مسألة سهلة؟!
الدول
الشيوعية لا تتعامل بالربا، وهم لا يعرفون الله، ولا يعرفون اليوم الآخر.
كل الدول
الشيوعية لا تتعامل بالربا، وليس فيها بنوك ربوية، وليس ذهبها مودع عند البنوك الربوية العالمية في
نيويورك أو
لندن، وهم شيوعيون لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ لكن قالوا: من باب حقوق الإنسان الربا ظلم، فثاروا على
الرأسمالية، و
الرأسمالية قائمة على الربا، فثاروا عليها وأصبحوا يتعاملون من غير ربا، وأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمة القرآن يقولون: لا نقدر! كيف قدر الشيوعي وما قدرت أنت؟!
القضية ليست قضية قدرة، القضية قضية إرادة، هل تريد أو لا تريد!
فالإرادة تستتبع العمل والعمل ينفذ بإذن الله، وإن كنت لا تريد فلن تعمل، وستظل تقول: ياليت..
وإذا أراد واحد منا أن يعمل مشروعاً تجارياً هل يقول: يا ليت؟ لا، بل إنه ينفق ويستدين حتى ينجز عمله.
وإذا أراد أن يتزوج لا يقول: يا ليتني أتزوج بنت فلان، بل يخطب ويدفع المهر ويتكلف؛ كل شيء بجهد، أما إذا جئنا إلى شيء من أمور الدين قلنا: يا ليت فقط من دون عمل فهذا عجيب، فلنتعاون ولنقم بهذا الشيء.
الإيداع يمكن أن نعمل له وسائل، أنا الآن أتكلم على الأمر الواقع, يقول أحدهم: أنا في هذا الظرف، وفي هذه اللحظة ليس عندي إلا هذا البديل، نقول: إن كان ضرورة فلتودع، لكن بدون ربا, وتودع عند الأخف ربوية من البنوك الربوية، إيداعاً بحيث تستطيع سحب المبلغ في أي وقت.
والضرورة معروفة، لا تقل الضرورة وأنت من يوم خلقت وأنت تضع الأموال والفلوس في البنك، وتقول "ضرورة" الضرورة مقدرة بقدرها.
انظروا دائماً إلى ضرورة الميتة ((
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ))[البقرة:173] كيف الضرورة؟
أضرب لكم مثالاً: شخص تجده كل يوم يأكل أكلاً منوعاً، فمرة مقلياً، ومرة مشوياً، ومرة كباباً، ومرة سنبوسة، وتقول له: يا أخي ما هذه؟
يقول: هذه ميته!
تقول له: كيف ميته؟!!
قال: والله ضرورة.
صاحب الضرورة لا يعمل هذا الشيء، الضرورة أن يأخذ لقيمات حتى لا يموت من الجوع، أما أن يتسمن بالأكل كل يوم ويأكل الميته فهذا متلاعب، فكذلك نحن في الربا, فإن كان ولا بد أن نودع أو أن نضع، فالضرورة واضحة، ففرق بين الضرورة وبين أننا نستمر ونتفنن في أنواع الحرام، ونقول ضرورة, فهذا شيء مهم جداً!