السؤال: يقول السائل: إن بعض الأصحاب والأقرباء يدعونه في مناسبات وفي غيرها، ولكنه يعلم أن أموالهم من البنوك الربوية، فهل يجوز إجابة دعوتهم؟ وإذا أجاب الدعوة فقد يقع في محذور -كما هو مفهوم من سؤاله- وإن لم يجب ستكون قطيعة بينهما، فما إجابتكم على هذا؟
الجواب: هذا أيضاً من الأمور التي كانت المنطقة -والحمد لله- في عافية أو في شبه عافية منها، لم يكن عندنا بنوك من قبل، وكان آكل الربا هو التاجر -والعياذ بالله- الذي يرابي, وهؤلاء كان يوجد من ينكر عليهم، أما الآن والعياذ بالله كل فترة ويفتح بنك جديد أو فرع جديد.
والسبب هو حب الدنيا لأنها رأس كل خطيئة، وما أهلك من كان قبلنا إلا هي، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم، ويشفق علينا من أي شر، يقول: {
والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم} فتحت الدنيا علينا وزاد النعمة والعقار والتجارة، فقلنا لا بد من بنوك.
فقد يمكن أن يكون عندنا خير ونعمة من غير الربا، فهل لا بد من البنوك، والربا، ولا بد من التعامل معها, مع أن البنوك هذه ليست كل معاملاتها فيها ربا, فيمكن أن نقيم بنوكاً بلا ربا، وتكون معاملات شرعية، لكن نحن نحن أبينا إلا أن نأخذ الحلال والحرام، والحق والباطل، فكل البنوك الموجودة في المنطقة فيها ربا، لكن نقول يمكن أن توجد بنوك بلا ربا، لكن الفروع الموجودة فيما أعرف كلها قائمة على الربا بأي شكل، قد يكون بعضهم أخف؛ لكن الأصل أنها كلها قامت على الربا، وهذا لا نقاش فيه، ولا يكابر في ذلك إلا من يجهل البنوك على التفصيل والحقيقة.
ولما فتح الله الوظائف، كان كثير من الناس يستقيل حتى صدرت أوامر -كما هو معلوم- في الدوائر الحكومية، بمنع الناس من الاستقالة.
بدءوا يستقيلون حتى يلتحقوا بالمقاولات والمنشآت.. لأن فرص عمل كثيرة فتحت، ومع ذلك أبى كثير من الناس إلا أن يوظف في البنك، ثم توظف في البنك وأصر إلا أن يبقى فيه، وإذا بالرجل هذا كما ذكر الأخ أنه قريبه يعمل في هذا البنك، ثم يأتي عنده مناسبة ويدعوك فإن ذهبت إليه -مثلما يذكر الأخ- فأنت تأكل من شيء حرام، وكل جسدٍ غذي بالسحت (أي نبت من حرام) فالنار أولى به -نسأل الله العفو العافية- وليس هناك مال حرام أشد من الربا {
درهم رباً أشد من ست وثلاثين زنية} كما في الحديث الذي رواه الإمام
أحمد بإسناد حسن, أشد من ست وثلاثين زنية، درهم واحد من ربا.. هذا خطر وإثمه عظيم.
وتوعد الله تعالى المرابي في كتابه بالحرب ((
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[البقرة:279].
إذاً نقول: يا أخي: هذا الربا وأكله حرام، فكيف تذهب وتأكل؟
فنوجه النصيحة للأخ الموظف أن يتقي الله، ويكف عن العمل في هذه البنوك، لأنه لا يجوز للمسلم: للشاب، ولطالب العلم, ولكل تقي يخاف الله ويرجو الله واليوم الآخر؛ أن يعمل في أي بنك ربوي، فالبنوك الموجودة بغض النظر عن أسمائها تتعامل بالربا جميعاً ولا نزكي منها أحداً؛ فيجب على كل واحد يعمل فيها أن يترك هذه الوظيفة، ولو كان حارساً، وهناك فتوى لهيئة كبار العلماء ومن اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لو كان حارساً أو فراشاً فإنه معين على الربا داخل في قوله تعالى:
((وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2]، فما بالك بالكاتب والموظف, لأن الكل يخدم الربا بأي شكل من الأشكال فلا يجوز العمل فيها.
فننصح هؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأن يبحث أحدهم في أقرب فرصة عن عمل يجده، ولو أن يستدين ويترك هذا الحرام، ويلقى الله وهو آكل من الحلال و{
الله طيب لا يقبل إلا طيباً} كيف يدعو الله {
يارب! يارب! ومأكله حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنَّى يستجاب له؟} كيف تأكل ربا وتصلي وتدعو الله أن يغفر لك، كيف يكون ذلك؟
فاتق الله يا أخي, وخف من النار، واحذر من دار البوار إن بقيت تأكل الربا.
وأوجه بهذه المناسبة نصيحة إلى المجتمع، ومجتمعنا مجتمع خير -والحمد لله- أن يتعاونوا على البر والتقوى, ويفتحوا وظائف لهؤلاء الشباب.
إذا كان عندك مؤسسة أو محل تجاري، فاقبل من يأتيك وقد ترك البنك واعطه ولو نصف الراتب، أو وظفه أنت في دائرة حكومية أو كان لديك شواغر فقدم لهذه الشواغر من كان يعمل في بنك، حتى تخفف من هذا المنكر وتعين على الخير, فنحن إذا تعاونَّا جميعاً قضينا على هذا المنكر ويبقى صاحب البنك بمفرده، يقول: الموظفون خرجوا.
نقول: أنت أيضاً ننصحك, ولنا معك -أيضاً- كلام آخر، لنا الحق أن نبلغك وأنت -إن شاء الله- مسلم تريد الخير, وهذا الموظف لنا معه شأن، نوظفه، ونعينه على وظيفة، وننصحه.
ونرجع إلى قريب الموظف: ونقول: من حيث الحرمة، لا يحرم على أحد أن يتعامل مع أحد وإن كان المتعامل معه يتعامل بالحرام، فمثلاً واحد يتعامل بالربا، وأنا اشتغلت مقاولاً عنده، أنا ليس عليَّ إثم، إن عملت له عملاً، وأعطاني أجرتي حلالاً، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعامل مع اليهود وكانوا مرابين.
والمسلم قد يقر الكافر على ذنب، ولا يقر عليه المسلم؛ لأن هذا مسلم ملتزم بالإسلام، أما الكافر فإنما أقررناه على دينه، لكن نقول: الحرام لا يتنقل بين ذمتين، فلو أخذ واحد مالاً من حرام، خيانة أو سرقة أو غشاً، ثم جاء أحد وتعامل معه بالحلال وأعطاه، فليس على ذلك الآخذ شيء، وإنما الحرام على من أخذه، لكن إذا كان الآخذ أو الضيف أو الأجير يعلم أن هذا المال من حرام، فإنه يقول: يا أخي! أنا لا أعمل عندك لأن مالك حرام، وينصحه وهذا حسن.
فأنت يا أخي في مثل هذه الحالة، يجب أن تنصح أقرباءك وأرحامك وإخوانك, وأي واحد منا له قريب يعمل في البنك، يبذل له النصيحة ويقول له: يا أخي! أنت تأكل حرام، وأنا لن أقاطعك ولن أهجرك لأن الله أمرنا بصلة الرحم، لكن إن جئتك وتحرجت من الأكل عندك فاعلم أن ذلك لأنك تأكل ربا، فإن عذرتني وعفوت عني فهذا الذي أريده، وإن كان غير ذلك فلن أرضى، فإن كان الداعي رحيمك أو أختك غضبت وذهبت فلا بأس للمصلحة لكن لا تتعدى أكثر، ولا تستهن به، فتجيب دعوته وتذهب إليه كل وقت، ولكن تذهب إليه لصلة الرحم، وتنصحه وأنت ذاهب إليه فتكون دائماً داعية.
والورع باب عظيم وهذا غير مسألة الحرام {
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه} لا بد أن نتقي الشبهات وإن لم تكن حراماً، فمن أمور الشبهات إقرار أمثال هؤلاء وأكل أموالهم.
إن تأجير الدكان أو العمارة على أي بنك من البنوك حرام، وهو من التعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز أن تؤجر المحل للبنك الربوي، وأنا أسأل: هل يجوز أن تؤجر عمارة -الله يحمينا وإياكم- لتكون بيت دعارة.. بيت زنا؟
كأن يأتي أحد الزناة, ويقول لك: نريد محل زنا، فمن يرضى بهذا؟ لا يرضى أحد منا أبداً.
حسناً, درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية، فكيف بملايين الربا تكون في عمارتك!! هذا حرام ولا أحد يناقش في هذا، إذاً لا يجوز أن تؤجر الدكاكين على أهل الربا.
وأيضاً هناك محرمات أخرى غير الربا لا يجوز التأجير عليها وإن كانت أقل حرمة؛ كتأجير الدكان لبيع الفيديو -مثلاً- أو لبيع أشرطة الغناء.
وكذلك الحلاَّق الذي يحلق اللحى.
وكذلك التأجير لتاجر يتعامل في بضاعة محرمة، أو يبيع بضاعة محرمة، كمن يبيع التماثيل أو أدوات اللهو، أو الموسيقى، فهذا تأجيرها عليه حرام.
وهكذا الحلال بيِّن والحرام بيِّن.