حكم إحياء ليلة العرس بالموسيقى والدف
السؤال: ما حكم إحياء ليلة العرس بالطرب والدف وإحضار بعض المطربين لهذه المنطقة لإحياء ليلة العرس، ثم بعد ذلك الإسراف والبذخ في هذه الأيام؟
الجواب: الموضوع يحتاج في الحقيقة إلى لقاءات، لكن لعلنا نأتي على بعضه.
أولاً: يقول الله تبارك وتعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))[يونس:58] فضل الله ورحمته قيل القرآن، وقيل النبوة أي بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل الإسلام، وكله حق، وأعظم ما يفرح به ((فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا))[يونس:58] هو الإيمان بالله وتقواه ومعرفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم أذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا وقد بعث نبيه بالحنيفية السمحة، وجعل لنا في هذا الدين فسحة لنفرح ونبتهج، وأن نظهر فرحنا، ولهذا جعل لنا عيدين أبدلناهما بيومي الجاهلية لنفرح فيهما ولله الحمد والمنة.
كما شرع لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرح بالزواج، أو الفرح بالمولود إذا رزقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مولوداً، وما أشبه ذلك مما هو في حدود الحلال.
ثم أتينا نحن وماذا فعلنا -وخاصة في بعض المناطق؟- جعلنا الفرح مهرجاناً للمعاصي يجمع الإنسان شروراً ومعاصي مركبة من أجل ما أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورزقه بفتاة طيبة خطبها من أسرة طيبة كريمة وتزوجها.
منَّ الله عليه بهذا الزواج، وهذه نعمة من الله عظيمة، بل هو خير متاع الدنيا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: لا بد من فرح, ولابد من طرب يسمع به القاصي والداني.
التبذير والإسراف في الولائم لا يجوز يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ))[الإسراء:27].
وقد يكون الإنسان ممن أعطاه الله مالاً فأسرف فيه، وقد حرم الله الإسراف والتبذير، وهو في الأصل من حلال بل مأمور به, هذا الفرح نعبر عنه كما سنه لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدف! لكن هل الدف للرجال؟! أعوذ بالله من ذلك هل هناك رجل يأخذ الدف ويضربه..معقول!! رجل يأخذ دف أو طبل ويضربه.
قالوا: إنه يحصل في المباريات لكنني ما صدقت؛ حتى رأيت رجلاً يحمل دفاً وطبلاً.
الدف للنساء في العرس فقط، هذا الذي شُرع وأذن به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيجتمع الناس ويفرحون، وتجتمع الجماعة ويتعشون، ويتغدون جميعاً ثم يباركون ويهنئون ويعبرون عن الفرحة وهذا نعرفه والحمد لله وهو المشروع.
أما الاجتماع الذي جاء في السؤال تسميته "إحياء" فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ))[الأنعام:122], وهم يقولون: جاء مطربون وأحيوه!! وهذا والله قتل وموت، موت للقلوب بهذا الطرب واللهو واللعب.
والحياة هي بالقرآن الكريم وبذكر الله ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28] فإذا كان الوقت مناسباً -ولا نجعل ذلك دائماً أو قاعدة عامة- واجتمع الناس، وجاء إنسان وأعطاه الله حظاً من العلم فوعظنا وذكرنا، من ضمن ما قد يكون في البرنامج، ودون أن نلتزم بهذا الشيء ونجعله قاعدة أو سنة، لكن أقول: لو حصل ذلك نكون قد أحيينا العرس مرتين، أحييناه لما جئنا وهنأنا وأكلنا واجتمعنا على الخير، وأحييناه أيضاً بذكر الله، أما أن يؤتى بالمطرب ويقال: مطرب, ولا يوجد شيء رجال مع رجال، ثم بعد ذلك مطربة, وبعد ذلك مطرب ومطربة, وبعد ذلك فرقة, وبعد ذلك الفرقة المختلطة والجمهور المختلط!
وهكذا طريق الشيطان يبدأ بخطوة، ثم يزين ما بعده ثم ما بعده، وإذا بها فرق، وإذا بنا تطورنا وتقدمنا كما يقولون.
كنا نجتمع في أي مكان, قالوا: لا بد من فندق أو من صالة، حسناً، وإذا بالصالة، قالوا بعدها: المطرب, ماذا يفعل هذا المطرب؟ لا يجوز أن يستقدم هذا المطرب، ومن جاء به فهو آثم ومن استمع إلى لهوه وطربه فهو آثم، وهذا الذي قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحذر منه في آخر الزمان عندما قال: {يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماع الموسيقى قرين الزنا -والعياذ بالله- وقرين لبس الحرير المجمع على تحريمه عند المسلمين قاطبة؛ هذا آثم, فلا يقال: لا يأثمون هم ولكن الذي يأثم المطرب ومن حضر الحفل فقط؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكنا في أمر أخف؛ لكن نأثم نحن -المجتمع- جميعاً إن لم يكن فينا من ينكر، وأول من يجب عليه الإنكار من ولاه الله تعالى الأمر.
أعني: الإمارة والهيئة، هذا أول من يجب عليه أن ينكر هذا المنكر؛ لأن هذه مسئوليته قال تعالى: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ))[الحج:41] يعني ملكوا وحكموا ((أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ))[الحج:41] فيأثم المسئول في المنطقة أو في المدينة بعدم إنكار هذا المنكر، فإن لم تقم الجهات المسئولة بواجبها أيضاً، فيأثم أهل الشأن, وأهل العلم هم أهل الشأن.
ومن المشاكل التي تقع -وهذا شيء معروف في هذه المناسبة- أن يتخلى من له الشأن، ومن بيده الأمر عن إنكار المنكر، فيأتي شباب يغضبون لله ولا يصبرون على المنكر، ويعلمون ما أعده الله من العذاب لمن لم ينكر المنكر، فيتجرءون وينكرون، فيقولون: ذهبنا وأنكرنا المنكر، وما قلنا إلا الحق وقلنا: اتقوا الله, وقلنا: هذا حرام, وقلنا: هذا منكر، ثم ماذا تكون النتيجة؟
تكون مشكلة، وعداوة، وحقد، ويتهم الشباب بكل تهمة، ويتجرأ الكبار ويقولون: ما أنكر إلا ولد فلان وولد فلان والذين هم كذا وكذا، بينما العلماء والدولة ازدروا الذي ينكر، فانظر المشكلة كيف تتطور! وبعد أن كان منكراً بسيطاً يمكن أن ينتهي بمجرد كلمة من هاتف مسئول في هيئة, أو في الإمارة, أو في شرطة، أو في أي عمدة, أو عريفة...إلخ.
وإذا نظرنا إلى الموضوع رأينا أننا صرنا فرقتين:
الأولى: أهل الشأن، ومعهم الجمهور كما قال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه ِ)[الأنعام:116] فأكثر الجمهور يريدون الطرب، وثلاثة أو أربعة ليس لهم قيمة ولا اعتبار!!
فأنا أقول -وأنا أعتبر نفسي واحداً من هؤلاء الشباب- قد نخطئ ونتجرأ, وقد نتصرف تصرفاً غير صحيح يسيء إلى الدعوة، وقد يتطور المنكر إلى منكر أكبر منه.
أقول: افرضوا أننا فعلنا منكراً من أجل أننا ننكر المنكر، لكن في الحقيقة الإثم والذنب على من لم ينكر المنكر وهو من أهل إنكار المنكر، فهذا لا نريده أن يقع.
اعلموا أن أي منكر لا يمكن أن يسكت عنه، وقد أصبحت الدعوة واقعاً، والصحوة الإسلامية أصبحت حقيقه واقعة، والشباب المسلم ملء السمع والبصر، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الكلام أبداً..
اعلموا أنه لا يمكن أن يكون هناك منكر عام ظاهر إلا وسينكره بعض الشباب، ينكرونه كما يشاءون، قد لا يشاورون في ذلك عالماً ولا مفتياً ولا شيخاً، وربما كانت فتنة، إذاً ما الحل؟
إننا نحن الذين بأيدينا الشأن والأمر من مسئول، أو صاحب الزواج نفسه، أو صاحب الصالة نفسها إلى آخره..، نبدأ بتغيير المنكر، فنحن إن لم نمنع المنكر وإلا تفاقم الأمر، الآن -والحمد لله- ظهر العلم وظهر الحق، وما بقي لأحد حجة، وما بقي على الشباب من لائمة، قد نآخذهم بالأسلوب الأمثل، لكن معهم حق في إنكار المنكر، من الذي لا يقرهم على إنكار المنكر؟
نقول: نعم، لا يقرون على بعض الأساليب ولكن لا بد أن يُنكر المنكر ولا بد أن يزال، فإن لم يقم به من هو أهله تصدى له غيره، ولذلك فنحن نحمل المسئولية في ذلك كل الناس، الكل مسئول في هذه البلدة، وفي كل مكان، هذا ما شرعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأمر به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده -إذاً صاحب السلطة يغير باليد- فمن لم يستطع فبلسانه} -ومن التغيير باللسان إنكار من لا يستطع باليد مثل: العالم أو الواعظ الذي لا يستطيع أن ينكر باليد، فينكر ذلك باللسان.
يجب أن يخطب الخطباء في هذه الأيام، لا يكفي كلمة مني فقط، على الخطباء أن يخطبوا في هذا الموضوع، ويحذروا من هذه الظاهرة، ومن هذه البادرة الخطيرة، ويتكلم الوعاظ ويتكلم الآباء.
يجب على كل واحد منا علم أن هذا الزواج فيه منكر ألا يحضر وألا يرسل أهله لحضور ذلك المنكر، حتى لو غضب من غضب، ونقول: هذا منكر إن أزلت المنكر جئنا أو جاءك أهلنا، وإن كنت لا ترضى أن تزيل المنكر فلن نأتي.
ومنكرات الأفراح كثيرة منها: الزفة التي يكون فيها الاختلاط، ومنها: التصوير بالفيديو أو الآلة، ومنها أشياء كثيرة يضيق الوقت عن شرحها، المهم أننا نعرف أننا مسئولون أمام الله عز وجل، وأن مناطقنا المحافظة الطيبة أمانة في أعناقنا، فلنحذر أن نفخر بأفراح ومناسبات تدخل فيها المعاصي، أو بأفراح ما يسمى بالاصطياف أو السياحة, فندخل فيما حرم الله من اللهو اللعب، ونكون كالذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً -والعياذ بالله- والذين كانت عبادتهم كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً))[الأنفال:35] نسأل الله العفو العافية.