المادة    
ثُمَّ انتقل المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى إثبات صفة الوجه لله تعالى، وقد سبق أن ذكر الآيات الدالة عَلَى إثبات الوجه كقوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه)) [القصص:88]((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ))[الرحمن:27] وغير ذلك مما يدل عَلَى إثبات الوجه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه صفة له تعالى، ولا نقول: إنه ذاته، ولا نقول: إن ذلك يقتضي أن له أعضاء أو جوارح، أو أركاناً، وإنما هو صفة عَلَى الحقيقة بلا كيف، كما قال الإمام أبو حنيفة: "له وجه ويد ونفس، وقَالَ: كل ذلك فهو له صفة بلا كيف" يعني: أننا نجهل الكيفية.
ويستدل عَلَى ذلك بالحديث الذي رواه الإمام أَحْمَد ومسلم وغيرهما {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} وورد في رواية {حجابه النار} والمعنى واحد ولا منافاة بينهما، لأنه قَالَ: {لو كشفه لأحرقت سبحات} أي: لأحرقت أنوار وجهه {ما انتهى إليه بصره من خلقه}، لأن المخلوقات لا تصمد ولا تقف أمام نور الله عَزَّ وَجَلَّ، فهو نار محرق بالنسبة لها فحجابه النور أو حجابه النار، لا منافاة بينهما

ولو كشف سبحانه هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا دليل عَلَى عظمة الله عَزَّ وَجَلَّ، وعلى أنه لا يستطيع البشر أن يتخيلوا ولا أن يدركوا كنه ذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو كما قَالَ: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طـه:110] وهو أقوى في الدلالة عَلَى النفي من ((لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)) [الأنعام:103]، لأن الإدراك العلمي أوسع من الإدراك الحسي البصري، فإن كثيراً من الأشياء نسلم بها علمياً وذهنياً، وإن كنا لا نستطيع أن نراها لأن هذا مجال أوسع.
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نفى الإحاطة به علماً في الدنيا وفي الآخرة، ولما كَانَ سيرى في الآخرة عَلَى الحقيقة نفى الإدراك مع إثبات النظر والرؤية فقال: ((لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصار))[الأنعام:103] مع أنه ثابت أن المؤمنين يرونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  1. لا يقال لصفات الوجه واليدين وغيرها أعضاء وتعليل ذلك